السبت، 25 يونيو 2011

الشهادة المضروبة


فللمعرفة مريدين ، وللدراسة محبين ، وفي التعليم طلاب مجتهدون ، يبذلون في سبيله جهدهم ، ويعطونه من أوقاتهم، ويصرفون عليه من أموالهم، لا يمنعهم في ذلك مانع ، ولا يثبطهم فيه إنسان ، ولا يعيقهم بسببه نظام.

أبواب العلم اليوم كثيرة ، وساحاته منتشرة، ومنافذه مشرعة ، وأموره ميسرة ، وهو في متناول الجميع، إلا إن بعض المنابر العلمية أسست على هدف تجاري ، واهتمت بالربح المادي.

فمن المدارس الأهلية ؛ من يتسابق إليها الطلاب للوصول إلى النجاح المضمون ، أو للحصول على الدرجات المرتفعة ، وهذا مما جعل التعليم الجامعي يحصر القبول به ؛ على اجتياز الطلاب لاختباري القدرات والتحصيل.

وهناك معاهد صحية ، وكليات أهلية ؛ خرجت لنا طلاباً تشكو وزارة الصحة من رصيدهم المعرفي ، ومستواهم الفني ، مما حدا بها إلى تقويم كفاياتهم مرة أخرى عند التوظيف.

وأما جامعاتنا ؛ ففيها نظام للانتساب، وبرامج للدراسات العليا ، لكن المقاعد فيها محدودة ، والرسوم المالية بها مرتفعة ، مما نتج عن ذلك ؛ انتشار مكاتب تسويقية للخدمات التعليمية في جامعات عربية وأجنبية ، والتي سعت إلى العائد المادي؛ مقابل إشباع طموح الطلاب ، وتسهيل مبتغاهم، وتوفير مرادهم.

مشكلة القبول والدراسات العليا في جامعاتنا، مشكلة متأزمة ،وحالة معقدة، والتي ليس لها إستراتيجية مستقبلية في علاجها ، مما يدعو بعض الدارسين إلى إشباع عطشهم العلمي من جامعات خارج البلاد ، وهم يعلمون أنها شهادات بدون اعتماد رسمي ، وليس لها عائد وظيفي ، والتي نرجوا أن تكون ملزمة لهم على العطاء الراقي ، ودافعة إلى الإبداع ، وحافزة على البذل والتفاني.

ومن واقع تجربة شخصية في دراسة الماجستير بإحدى جامعات المملكة الحكومية ؛ والتي سارت فيها الدراسة بطريقة تقليدية ؛ لها شروط ومطالب ووقت طويل بلا حاجة ، وبدون ضرورة ، والتي رأينا فيها القصور والتقصير ، ولمسنا في بعض أساتذتها الفتور في الأداء العلمي ، حتى إن فيهم من ضيع الوقت في أحاديث جانبية ، لا قيمة فيها ، بل إننا درسنا فيها كتب قديمة ، سبق لنا دراستها في مرحلة البكالوريوس ، فمن الذي يتولى مراقبة الجامعات ؟ ومن المسؤول عن تقويم المخرجات ؟ وللعلم فإن هناك بعض الدوائر الحكومية والمؤسسات والشركات ؛ بدأت تشترط للتوظيف والعمل؛ اجتياز خريجي جامعاتنا لمقاييس واختبارات ومقابلات.

وأما عن دراسة الدكتوراه ؛ فكانت في جامعة عريقة بإحدى الدول العربية ؛ دفعتنا إليها الحاجة العلمية ، والرغبة التطويرية ، إلا إنها لم تكن ثرية ولا ثمينة ؛ وذلك لوجود استغلال مالي لا لزوم له ، مما دفعنا إلى مسلك التعليم عن بعد ، والذي أضحى اليوم أهم وسيلة للدراسة في كثير من الجامعات العالمية ، إذ يعدّ ضرورة من ضروريات العصر ، الذي كثرت أعباؤه ، وزادت متطلباته ، وتيسرت اتصالاته ، وهو نظام له مقررات يجب اجتيازها ، وبحوث يجب إعدادها ، واختبارات لابد من دخولها ، وها هي اليوم بعض جامعاتنا المتطورة ، تقوم بهذا النظام، كجامعتي الإمام والملك عبد العزيز ، إلا إننا نتمنى أن تعتمده وزارة التعليم العالي ، وأن تقوم به جميع الجامعات ، وفي بعض التخصصات ، كما هو الحال في دول مجاورة لنا.

كنا نتمنى الدراسة في إحدى جامعاتنا ، لكن مقاعدها المحدودة ؛ محجوزة مسبقاً، حيث لا يخلو التسجيل فيها من المحسوبية، وهي مازالت على شروطها؛ في منع إكمال الدراسة للموظفين؛ ممن زاد عمره عن أربعين عاماً ، ولا ندري ما هو الهدف من ذلك؟ ، كما إن من شروطهم المجحفة في مرحلة الدكتوراه ؛ التفرغ الكلي للدراسة ، أي إن طالبها عليه تقديم الاستقالة من الوظيفة ، بينما هي مرحلة تستند على  الجهود الذاتية في الإثراء العلمي، والتمكين المعرفي.

يظن بعض الناس؛ أن الشهادة المضروبة هي تلك التي اشتراها صاحبها بماله من جهة خارجية، ولم يتم اعتمادها من عمله، حتى ولو كان مستواه أكبر منها ، وكفاءَتُه أعظم من قيمتها ، وتناسوا أصحاب شهادات معتمدة ؛ غشوا بها أنفسهم قبل غيرهم، شهادات حصلوا عليها من اختبارات اجتازوها بالغش والخداع، شهادات لم يكن هدفها سوى الوظيفة، حصلوا بها على مبتغاهم ، ثم تركوا بعدها تطوير أنفسهم ، وإنماء قدراتهم، وإثراء كيانهم، شهادات فيها فخر وافتخار، وقيمة وظيفية، ووجاهة اجتماعية، لكنها ورقية صورية شكلية ، ليس فيها قيمة حقيقية صحيحة، ولا قوة علمية سليمة، ولا عظمة ميدانية ملموسة.

كان الأولى بصاحب أي شهادة علمية ـ مهما كان مصدرها ـ  ؛ الاستمرار في طلب العلم والمعرفة، والاهتمام بالمراجعة المتكررة لما اكتسبه من فن ومهارة ، والمبادرة إلى تقديم برامج تطويرية، وتنفيذ مشاريع تنموية؛ تفيد في رقي المجتمع، وفي سمو أفراده، وكل حسب تخصصه، وبركة وقته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق