الاثنين، 2 يناير 2012

إبحار في الفضاء

إبحار في الفضاء


تعد شبكة الانترنت أكبر مخزن للمعلومات في العالم ، إذ تحتوي على أكثر من ثلاثين مليون موقعاً ، تتناول كافة المجالات، وتحتوي على جميع التخصصات والاهتمامات، وهي التي تنمو يومياً بشكل رهيب جداً ؛ حتى إنها جعلت العالم كله في غرفة سكنية واحدة ، وليس في قرية صغيرة، فالإنترنت نافذة مفتوحة نطل منها على العالم كله، والمعلومات التي تضخ فيها ؛ يصعب على المستخدمين متابعها، بل وتقف الحكومات عاجزة عن مراقبتها.

وهي من أقوى الوسائل الإعلامية تأثيراً، وأكثرها نمواً وانتشاراً ، إذ يصل عدد مستخدميها إلى أكثر من أربعمائة مليون مستخدم، والذين يبحرون فيها بحرية مطلقة؛ متى ما يريدون، وكما يريدون، وبما يريدون، إذ ليس عليها رقيب؛ سوى خالق الأرض والسموات.

وتتضمن الشبكة الاليكترونية مواقع حكومية وأهلية وشخصية، ومنتديات ، ومدونات ، ومجموعات بريدية، وصحافة اليكترونية، وغرف صوتية ومرئية، وقنوات إعلامية، ومخازن للكتب والبحوث والمطبوعات والإحصائيات، ومواقع للأسواق والألعاب، وأخرى للتواصل الاجتماعي ، وجميعها نوافذ مجانية مفتوحة طوال الليل والنهار، لكافة الفئات، ولجميع الجنسيات، وبمختلف اللغات.

الشبكة العنكبوتية شبكة ساحرة للعيون، جاذبة للنفوس، تأخذ بنواصي العقول، فيها كل غث وسمين، وحسن وسيء، ونافع وضار، وصالح وفاسد، وهي تشبه الغابة الواسعة الكثيفة ، التي فيها أشجار مثمرة وفيرة ، ونباتات مزهرة جميلة، لكن فيها أخرى مسمومة، أو مؤذية، أو غير مفيدة، وهي كذلك لا تخلوا من وجود الأفاعي والحشرات ، وذوات المخالب والأنياب، مما يستوجب الاحتراس، وأخذ الحيطة والحذر.

فعلى هذه الشبكة آلاف مؤلفة من المواقع النبيلة، والصفحات الجميلة ، التي تحتوي على مساهمات ناضجة، ومشاركات راقية، يقف خلفها مرتادين فضلاء ، ومشاركين أخيار ـ من أمثالكم ـ؛ هدفهم بيان العلم، ونشر النور، وزرع الخير، ومعالجة الأضرار، وتصحيح الأخطاء.

وفي مقابل ذلك؛ هناك مواقع سوداء ، وصفحات ملوثة؛ تنشر الضلال والظلام، أو تزرع العصبية والعنصرية، أو تبيح الحرام، وتقيم الفساد، بالإضافة إلى وجود مخربين على هذه الشبكة؛ شغلهم الشاغل تدمير المواقع، واختراق الأجهزة، والنصب على الناس بحيل مختلفة، (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً)، (الأعراف: 58).

فإذا أردت الأجر والمثوبة، والمتعة والفائدة ؛ فساهم في هذه الشبكة بمساهمات طيبة كريمة ، تخدم بها دينك وإخوانك، وترفع بها رصيدك وقدراتك، مع الاحتراس من الصفحات الوضيعة، والمواقع الرخيصة؛ التي يضعف بسببها دينك، أو يختل بها تفكيرك، لا تساهم في دعمها، ولا تشارك في الدعاية لها، فإن ".... من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعهُ لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئاً" .

أما إن كنت تكثر الجلوس على الانترنت الساعات الطوال، وتتألم لأجله عند الفراق ؛ فأنت مصاب بالفتنة التقنية (الإدمان على الإنترنت)؛ وهذه علاجها لديك وفي يديك ؛ عيّن لها وقتاً محدداً لا تحيد عنه، ولا تزيد عليه، بحيث لا تخل فيه بواجباتك الدينية، ولا تُضيِّع بسببها مسؤولياتك الأسرية، ولا أمورك المعيشية ، وإن وقعت أثناء تجولك في صفحة سيئة؛ فعجل بالامتناع، واستتر منها بحجاب ، فكل الحوادث مبدأها من النظر، ومعظم النار من مستصغر الشرر، كم نظرة فعلت في قلب صاحبها، ولا مرحباً بسرور عاد بالضّرر.

أنياب الظالم

أنياب الظالم

الظلم خطيئة كبيرة، وجريمة شنيعة، تقع من نفسية مريضة، وعقلية خبيثة؛ استحوذ عليها الشيطان؛ فأعمى بصرها عن الخير والنور، وأضاع بصيرتها عن الحق والصواب، والموت والحساب.

يقع الظلم في صور عديدة، وأشكال كثيرة، فالشرك بالله تعالى ظلم عظيم: ( إن الشرك لظلم عظيم) ، والتساهل في تطبيق شريعة الله تعالى ظلم كبير: ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ، وانتهاك المحرمات، وترك الواجبات؛ ظلم للنفس جسيم: ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم).

ومن صوره: سلب الحقوق، والبطش بالغير، والتعدي على الأعراض ، والسطو على الأموال، بل ومثل ذلك  أخذ الرشوة ، وشهادة الزور، والغش والخداع ، ومخالفة القول والعهد والوعد.

وتجد الظلم لدى الحاكم الذي ضيع ثروات بلاده، وسحق قدرات أبنائه، كما تشاهده لدى القاضي الذي يجور في إصدار الأحكام، ولدى المسؤول الذي احتل المنصب، واغتنى من المكان.

ومن الظلم: الشكاوى الكيدية، أو اتهام المسؤول بما ليس فيه، وكذلك التهجم على الآخرين بالشائعات المغرضة، والكتابات الجائرة الموجودة على الشبكة العنكبوتية.
وأظلم من الظالم؛ من يساعد الظالم على ظلمه، أو يفرح بوجوده وجهوده، أو يشيد بأعماله وصفاته.

فإذا أردت معرفة الظالم وعلاماته؛ فإنك تراه شاذاً في أفعاله، جانحاً في تصرفاته، يحتال ويكابر، يقرص ويقرض، يلسع ويلدغ ، ويظن أنه الوحيد الأوحد، والقوي الأعظم.

الظالم ليس في وجدانه خوف من الحي القيوم، فلا رقيب ولا ضمير، ولا عقل منير، ولا فكر بصير .
وليس عنده احترام لقانون ، ولا إيمان بحساب ولا عقاب، مخدوع في نفسه، منبوذ من غيره، لا يعرف الندم، ولا يجيد الاعتذار، ولا يؤمن برد المظالم، ولا بتصحيح الأخطاء.

والظالم لا يعلم أن آثاره سيئة، وعاقبته وخيمة، ونهايته أليمة، فالدعوات المرفوعة سوف تلاحقه في حياته ، وتستمر بعد مماته، دعوة المظلوم لا ترد ـ وإن كان كافراً أو فاجراً ـ فدعوته ليس بينها وبين الله حجاب، والذي يرفعها إليه فوق الغمام، ويقول لها : { وعزتي وجلالي ، لأنصرنك ولو بعد حين }، هاهي المواعظ  أمامنا قائمة؛ حكام ظلمة، كان الكل يتذمر منهم، ويدعو عليهم، فكانت الخاتمة ذليلة، والعاقبة شنيعة.

وأما في الآخرة؛ فسيقتص المظلوم من الظالم ، حتى الحيوانات يقتص لبعضها من بعض ، فالذي يعتدي على غيره بالضرب ، يقتص منه بالضرب ، ففي الحديث الصحيح: " من ضرب بسوط ظلماً؛ اقتص منه يوم القيامة "، فإذا كانت عند العبد مظالم للعباد؛ فإنهم يأخذون من حسناته بقدر ما ظلمهم ، وإن لم يكن له حسنات، أو فنيت حسناته ، فإنه يؤخذ من سيئاتهم؛ فتطرح عليه، ثم يطرح في النار .

فعلى الظالم ألا يغترّ بماله ولسانه، وقوته وسلطانه ، فإن فوقه العزيز الجبار المنتقم ، الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، فليرجع إليه، ويطلب الرحمة والمغفرة، والستر والنجاة، ثم يسارع بإبراء الذمة، ورد المظالم إلى أهلها ، وطلب المصالحة والمسامحة منهم، وقبل أن يأتي يوم الجزاء، وميعاد القصاص:


عقّارة الحنش

عقّارة الحنش


شاهدت بالأمس حادث سير لعدد من السيارات على الطريق السريع في جدة، نتج عنه إرباك واختناق في حركة المركبات، بالرغم من سعة الطريق، واتساع اتجاهاته.
والسبب الذي أدى إلى ذلك هو تطفل السائقين ووقوفهم لمشاهدة هذا الحادث، والذي لا نسلم ـ في كل يوم ـ من وقوع مثيله ، وفي جميع المناطق، وكافة المحافظات.

ونأسف أن تجد من هؤلاء المتطفلين من أوقف سيارته في الجهة المقابلة ليعبر إليه ، ومنهم من أتي يسأل عن أدق تفاصيل  في الحادث، ويحكم على المخطئ، ويبرئ المصيب، ومنهم من أتى يصوره بجهازه الجوال، فأعاقوا بتجمهرهم الطريق، وأوقعوا الضرر على المارة والمصابين.

وهذا مشهد يكثر عند حدوث أي حريق ، وحال وقوع أي حادث، أو موقف يلفت الانتباه، وهو مظهر ينطبق عليه ذلك المثل  الجنوبي القديم: ( كما عقّارة الحنش )، كناية عن تجمع الناس وتجمهرهم وكثرتهم لمشاهدة الثعبان، والمشاركة في قتله ، والذي يكفي أن يقوم بذلك شخص واحد فقط.

التجمهر مشكلة قائمة لدينا، وظاهرة دائمة بيننا ، تقع ـ في الغالب ـ من فئة الشباب والمراهقين خاصة؛ وذلك نتيجة للمشهد الغريب الذي يحدث، أو للموقف المثير الذي يظهر.
والنفس الإنسانية بطبيعتها تحب الفضول، وتهوى المعرفة، وتميل للاستطلاع؛ عن أي شيء عجيب، أو موقف غريب ، لكن هذا الحال يعظم ويزداد ؛ إذا انخفض الوعي لديها ، أو وجدت الفراغ، ولم تعرف قيمة الوقت، ولا أهمية استغلال الدقائق والساعات.

أما الفئة التي تدفعها النخوة والشهامة إلى الفزعة والإغاثة ؛ فإنها تعلم جيداً أن هناك جهات حكومية مؤهلة ومسؤولة عن مهام الإسعاف والإنقاذ، والتحقيق والإسناد، وهي تدرك كذلك أن في وجودهم إعاقة لعمل هذه الجهات، بل قد يكونون سبباً في حدوث مشاكل أخرى ، كما وقع ـ في حادث سابق ـ من دخول إحدى السيارات المسرعة على جمع من المتجمهرين.

إن "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" ( كما ورد في الحديث النبوي الصحيح)، فالحضور لمشاهدة الحادث؛ لا يهم كل إنسان، بل يختص به أصحاب الشأن.
وهو فعل مذموم، وأمر مرفوض؛ ينتج عنه فوضى واضطراب، وكثرة وزحام، وإعاقة وأضرار، ورد في الحديث الشريف: " من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم".

فالواجب منا عند وقوع الحوادث؛ أخذ الموعظة والعبرة، وسؤال الله تعالى السلامة والعافية، والدعاء للمصابين بالشفاء والفرج ، مع ترديد الدعاء التالي ( في أنفسنا ) : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً.

هوس الغريزة

هوس الغريزة

فمما يحزن قلب كل مؤمن يخاف الله تعالى، ويرجو ثوابه، ويخشى عقابه ؛ هو انتشار مشاهد التفسخ والخلاعة، ومظاهر التهتك والابتذال في وسائل الإعلام وأدواته المختلفة، والتي تؤثر في السليم والمتعلم، وليس في الغافل والجاهل فقط.
وحجة المصدرين لهذا الانحراف هي: الحرية المطلقة، والتقدم والحضارة، وإشباع الميل ، وتلبية الرغبة.
أما الأهداف الحقيقية التي ينشدونها فهي: إضاعة الدين، وإشعال الغريزة، وإشاعة الفاحشة، وإفساد لكل نور وخير، وقيمة وفضيلة، وهذا مما يسعى إليه أرباب الكفر، وسدنة التغريب ، وحملة الليبرالية.
والذين يخاطبون في مناشطهم الغريزة الفطرية التي أودعها الله تعالى في النفس البشرية ، ويعملون على إثارتها وتأجيجها بوسائل منحلة، وأساليب منحطة: عري وشذوذ، وخلاعة ومجون، ومما تهواه النفس الأمارة بالسوء؛ من كلمة ناعمة، وصورة فاضحة.
 ولهم في بث فجورهم، ونشر فسادهم قنوات وبرامج فضائية ، ومدونات ومنتديات شبكية، ومجموعات بريدية، وقصائد وروايات أدبية، ونوافذ صوتية ، ومنافذ مرئية .

إن لغة الجنس ـ في غير مصرفها الشرعي ـ لغة تلوث المكان، وتفسد الأخلاق، وتنشر الأمراض، وتطفئ نور الإيمان، وتدفع العقل إلى انتهاج مسالك الإجرام.
لغة فيها تجريد للإنسان من الكرامة والمروءة والفضيلة؛ التي يجب أن يتحلى بها في كل زمان، وأن يحرص عليها في كل مكان.

ثم هاهي اليوم آثارها السلبية شاهدة، ونتائجها السيئة حاضرة، فأصحاب الفن يجاهرون بارتكاب المعصية ، ولا يرون في الرذيلة جريمة منكرة، وهاهم أصحاب الغيرة المنزوعة، لا يمانعون في السفور والمخالطة، ولا يرون أي حرج بين الجنسين؛ في المجالسة، ولا في الممازحة.

وغير ذلك ؛ فإن متابعة هذه اللغة مدعاة إلى التأثر بها، وارتكاب ممارسات محرمة، واقتراف أفعال قبيحة، ففي كل يوم نقرأ عن قيام هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقبض على حالات معاكسات وخلوة ، ولقاءات محرمة.

 ومن الثمرات المهلكة لهذه اللغة: مرض الإيدز، الذي ظهر في الإحصائية الأخيرة لوزارة الصحة بأرقام مفجعة وخطيرة ؛ حيث بلغ عدد المرضى المصابين بهذا المرض (14) ألف مريض، منهم(4458) مصاباً يحملون الجنسية السعودية.
 وتأتي محافظة جدة في قائمة النسبة الأكبر؛ من إجمالي الحالات المصابة ، تليها العاصمة (الرياض)، لكنها ـ ولاشك ـ إحصائية غير دقيقة، إذ توجد حالات غير مسجلة؛ والتي يتم علاجها بشكل سري في دول أخرى.

ومن نتائج هذه اللغة: ظهور الفساد في البر والبحر، كقلة الأمطار، وكثرة الأمراض، ووقوع الزلازل، وحدوث البراكين؛ وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها الناس؛ ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا؛ كي يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )،(الروم:41 ).

وحتى نحافظ على مجتمعنا من الانسلاخ والتدهور والهلاك؛ يجب أن نحميه من عوامل الابتذال ، وأسباب الانحلال، وأن تعود إليه البرامج التوعوية ، والمشاريع الدعوية؛ التي انخفض نورها، وانحسر نشاطها، إذ يعدّ الوازع الديني هو الجهاز المناعي العظيم للنفس الإنسانية، والذي يحميها من الجنوح والأخطار والسلوك الضار.

كما ينبغي على الإنسان أن يتدرب على غض بصره، وضبط مشاعره وميوله ورغباته، وأن يكبح جماح تفكيره الضار، وأن يوجه طاقته في مسلك مفيد، أو ممارسة نافعة ؛ فإن متابعة هذه اللغة ، سيصيبه بالانغماس المستمر فيها، والإدمان المتواصل على ملاحقتها.
 (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) .(النور 21).