الاثنين، 12 سبتمبر 2011

البنيان المخلخل

البنيان المخلخل


فما من علاقة زوجية إلا ويقع فيها فتور ونفور، وجفاء وخلاف ، وأزمات وتأزمات؛ لا منجى من مرور هذا، ولا مناص من حدوث ذلك؛ لكنها تتفاوت حسب العمر والوعي ودرجة النضج في شخصية الزوجين ، وحسب حالة التربية ومستوى الثقافة ، وهي أمور قد تنمو وتكبر مع الأيام، ثم تتضخم وتتطور بعد ذلك إلى انفجار ؛ يُنهي العلاقة الشرعية إلى الأبد.

يقع الخصام، ويحدث النزاع؛ بعد أن ينفخ فيهما الشيطان نار الغضب ، وتقع الكارثة، وتحل المصيبة؛ إذا ضاق الصدر لديهما، ونفد الصبر بينهما، ليصل الحال إلى اشتعال العداوة، وتفكك الأسرة، وضياع الأبناء ، وحدوث الاضطرابات ، ووقوع الإشكالات.

عندما تعيش الأسرة  في مناوشات مستمرة ، وصراعات متكررة؛ تصبح على قهر، وتمسي على كدر، فأي نفسية سيكون عليها أفرادها، وماذا سيجدون في يومهم، وماذا سيجنون في حياتهم؟!

وإن وراء الخلافات الزوجية، عوامل كثيرة، ومسببات عديدة، فالزوج يشتكي من الزوجة؛ التي لا تعتني برعايته، ولا تعمل على تلبية احتياجاته، ولا تستجيب لتعليماته، ولا تأخذ بتوجيهاته.
والزوج يعاني من زوجته العصبية ، النكدية، العنيدة ، المتسلطة ، التي تعارض أقواله، وتعصي أوامره ، وكذلك تلك التي لا تعتني بشؤون الأبناء، ولا تهتم بأمور الأسرة.
ويشتكي الزوج من زوجته؛ إذا كانت مهملة لنظافتها ومظهرها، أو تمتنع عن فراشه، أو تنظر إلى غيره، ولم تقنع بحالها ووضعها وما قُدِّر لها.
كما يتضرر الزوج من زوجته؛ التي تؤذي أهله، ولا تحترم أقاربه، ولا تحرص على التواصل معهم، أو تكون شديدة الغيرة ، كثيرة الشك ، أو تعاني من مس شيطاني، أو مصابة باضطراب نفسي ، أو اعتلال جسمي.

أما الزوجة التي تطلب الخلع من زوجها ؛ فتبرر ذلك بقولها: إن الزوج شحيح في النفقة ، بخيل في العطاء ، يفتقد سكنها لمقومات الحياة الضرورية، والمتطلبات الأساسية؛ ولذلك تسعى إلى التخلص من هذه المعيشة.
كذلك تريد الزوجة الهرب من بيتها؛ إذا كان زوجها يضربها، أو يسعى إلى إهانتها، أو يعمل على إذلالها ، أو عندما يقوم بسرقة مالها ، أو يستغلها مالياً ومعيشياً .
أو عندما يتدخل أهله في حياتها، وشؤونها الأسرية ، وأمورها الخاصة .
أو عندما يكثر الزوج الخروج من المنزل ، أو عندما يتزوج عليها، ولا يقوم بالعدل بين الزوجات .
أو حينما يكون الزوج ناقص الدين ، تارك للصلاة، يتعاطى المسكرات والمخدرات، أو يرتكب المحرمات، والعلاقات الشاذة.
أو عندما يكثر السفر والاغتراب، أو يكون مسجوناً، أو يكون مصاباً بمرض من الأمراض المزمنة.

ولعل الفاحص لأسس الخلافات بين الزوجين؛ يجد أنها تفتقد السكينة والألفة ، وتفتقر المودة والمحبة، لكنها متشبعة بالأنانية وحب السيطرة، وممتلئة بالخشونة والاندفاعية، ومحاطة بالصورة المثالية؛ التي يستحيل وجودها في الإنسان، ومادام الزوجان يهملان  الواجبات المفروضة، أو يجهلان الحقوق المطلوبة؛ فإن الخلافات ستظل تخيّم على عش الزوجية!

ألا يعلم الزوج أن من أكثر وصايا رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ الإحسان إلى الزوجة:
 "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه"، "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي  "اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن  بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، " إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".

ألا تعلم الزوجة أن طاعة الزوج مقدم على كل طاعة، فهو السبيل إلى إسعادها، وإسعاد بيتها:
من الأحاديث النبوية الصحيحة: "... فإنما هو جنــتـك ونارك " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، "إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" ، "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"، " إذا دعــا الرجــل امرأته إلى فـراشه فلم تأته، فبــات غضبان عليها، لعنتهــا الملائكة حتى تصبــح"، "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة".
فمن أجل حياة زوجية آمنة ومستقرة ؛ احرص أولاً على أن تعطي قبل أن تأخذ ، وأكثر في تعاملك من المدح، واقتصد في النقد، وتجنب ما يثير الاستفزاز، ويشعل الخصام.

 ثم اعمل عند الصدام ؛ على ضبط الانفعال، وقدّم التنازلات ، اترك المثالية، وترفع عن الصغائر، اعتذر عن أخطائك، ولا تذكر الأخطاء الماضية، عليك بالمفاهمة الهادئة، والمحاورة الحكيمة.
احصر النزاع في دائرة ضيقة، إلا إذا تأزمت الأمور؛ فيمكنك الاستعانة بطرف ثالث عادل، يقوم بالإصلاح والتوفيق بينكما: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا).

أهم النقاط في تربية الأبناء

أهم النقاط في تربية الأبناء


ذكرهم دائماً بالحياة الأخروية ، وما فيها من نعيم للمؤمنين، وجحيم للكافرين.
احرص على ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن الكريم في المنزل، وبصوت مسموع.
دربهم على الصلاة معك في المسجد، وتابعهم في ذلك.
علمهم الدعاء ومناجاة الخالق ؛ في كل أمر، وفي كل شأن.
عزز كل سلوك حسن تشاهده فيهم؛ بالمدح والثناء والمكافأة.
اظهر لهم؛ المحبة والتقبل ، والتقدير والاحترام.
اسمح لهم بالتعبير عن انفعالاتهم وآرائهم ، وأنصت لحديثهم جيداً.
شجعهم على المشاركة في المناسبات الاجتماعية.
ابتعد عن أساليب التسلط والقسوة، والضرب والتحقير والإهانة.
احذر من الانتقاد العنيف والمؤلم؛ للأخطاء التي يقعون فيها.
لا تحاول الدخول في المنازعات الخفيفة بينهم، بل اجعلهم يحلونها بأنفسهم.
واجه أخطاءهم بحكمة، وعالج مشاكلهم الكبيرة في مجلس الأسرة.
أظهر كراهيتك لكل تصرف خاطئ، أو سلوك غير مقبول.
احرص على بث العطف والمحبة، والإيثار والتعاون فيما بينهم.
ادعم اهتمامهم بالعلم والقراءة، وابذل لذلك كل ما تستطيع.
خصص لكل فرد منهم وقتاً كافياً؛ تتحدث معه بشأن دراسته، وآماله وآلامه.
ساعدهم على تنظيم أوقاتهم، واستغلال فراغهم بممارسات نافعة.
دربهم على الكلام الجيد، والحديث الهادئ، والإصغاء السليم.
احميهم من المؤثرات الإعلامية السلبية، ووجههم إلى ما يفيدهم فيها.
جنبهم الوقوع في التخريب، والعدوان، والتطاول على الآخرين.
شجعهم على تكوين العلاقات، والتواصل مع أحسن الرفاق.
ساعدهم على ممارسة الألعاب المفيدة في البناء الجسمي والعقلي.
وفر لهم أجهزة حاسوب، ومكتبة مناسبة ؛ تفيدهم في النمو العقلي والمعرفي.
عودهم على تحمل المسؤولية، والاستقلالية، وترتيب الأدوات، وتنظيف الحاجات.
اعدل في المعاملة، ولا تقارن بينهم، ولا تكثر الحماية والتدليل ، والعطف الشديد عليهم.
احرص مع أمهم على منهج تربوي موحد، وتجنب الغضب والشجار أمامهم.
أشركهم في صلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، واحترام الآخرين.
ألحقهم بحلقات التحفيظ؛ مع التشجيع المتواصل، والمتابعة المستمرة.
ازرع القناعة والرضا في نفوسهم، ولا تلبي رغباتهم كلما طلبوا منك شيئاً.
ساعدهم على تنمية طموحاتهم، ووجهها التوجيه الواقعي السليم.
دربهم على العناية الشديدة بنظافة الجسم والملبس، والمأكل والمشرب، والجلسة والمكان.
عودهم على عدم السهر، وترك النوم أثناء النهار.
الدعاء لهم في أوقات ومواطن الإجابة؛ بأن يصلحهم، وأن يوفقهم إلى ما يحبه ربنا ويرضاه.
لا تيأس ولا تقنط إذا لم تلمس أثراً لتربيتك( إن عليك إلا البلاغ )، أما الهداية والتوفيق فهي بيد الله سبحانه وتعالى.
( ... رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنّك سميع الدعاء ) [آل عمران:38] .
........................................................

أصلح ... أصلحك الله

أصلح ... أصلحك الله


ففي كل يوم؛ نسمع عن خصومات تقع بين الناس ، ونشاهد صراعات ومنازعات تحدث هنا وهناك، أغلبها لأسباب دنيوية، ومعظمها في مواضيع يسيرة، وقضايا بسيطة؛ لا تستدعي التوتر، ولا التضخيم ، ولا التأزيم.

إن الاختلاف صفة طبيعية من الصفات البشرية المكتسبة، قال الله تعالى " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك"، فالإنسان يرافقه عدوه اللعين (الشيطان) ، المكلف بالتحريش والغواية، والذي لن يسلم منه أحد من البشر، حتى أكثرهم علماً ، وأحسنهم تقوى .

تحدث المخاصمات بين الدول مع بعضها البعض ، وتقع بين الحكام والشعوب، والرؤساء والمرؤوسين، والأزواج والزوجات، ، وكذلك بين الأقارب والجيران والأصدقاء، فينتج عنها حدوث القطيعة، وزرع الضغينة، وتوليد الكراهية ، وتفريق القلوب، وفتح صراعات،وجلب آثام، وانتهاك حرمات، وارتكاب محرمات.

فكم حروب قامت ، وبيوت هدمت، وأموال صرفت، وأوقات ضيعت، وأنفس تفرقت، وحياة فسدت؛ والسبب خلافات بسيطة وقعت ، وهفوات يسيرة حدثت، والتي كان من الممكن تلافيها، إذا توفر المصلح الصادق الأمين، الذي يفض النزاع؛ بتبيين الخطأ ، وإظهار الصواب.

كنا بالأمس نعالج مشاكلنا بيننا ، داخل نطاق ضيق، وفي سرية تامة، إذ كان بيننا المصلح المتطوع، الذين عمل على توثيق روابط المودة ، وإعادة جسور المحبة. كان أهل النزاع يأخذون بنصيحته، ويعدونها حكماً ملزماً بالنفاذ، وهو الذي مازال موجوداً ومطلوباً ؛ في مجتمعات قروية، وجماعات بدوية، ولكن محدودة.

لقد عصم الله بالمصلحين دماء وأموال ، وويلات وتطورات؛ كادت أن تتأزم، لولا فضل الله تعالى ثم  بفضل جهود المصلحين ومساعيهم، فلماذا لا نحرص على درء الخصومات، وقطع المنازعات ـ كما كان قديماً ـ دون الرجوع إلى المحاكم الشرعية، والجهات الأمنية؟!، والتي تعاني من كثرة المراجعين، وتأخر المعاملات، وطول الإجراءات.

الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة، حثنا عليها الخالق سبحانه وتعالى، الذي قال:" وأصلحوا ذات بينكم "(الأنفال :1)، أعظم ما يجنيه المصلح من وراء عمله الكبير: "إنا لا نضيع أجر المصلحين " [الأعراف: 170] ، وقال عليه الصلاة والسلام:"أفضل الصدقة إصلاح ذات البين"، وذكر الأوزاعي (رحمه الله تعالى) : ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ) .

إن المجتمع يبحث عن المصلح العادل؛ صاحب النفس الأبية، والأخلاق الحسنة، والسيرة النظيفة ، المصلح الذي يملك الكفاءة والنزاهة ، ويجيد مهارة الاستماع ، وأساليب الإرشاد والإقناع، والذي يبذل ماله وجهده ووقته طلباً للأجر والثواب من الخالق سبحانه، وتحقيقاً لقيمة الأخوة، وواجب النصيحة، وأهمية الوحدة واللحمة.

ألا يمكن أن يكون لدينا في كل مسجد من مساجدنا؛ لجنة تطوعية  من المتقاعدين مثلاً ؟! تقوم على النظر في مشاكل الجيران، وتعمل على علاجها، وعقد راية الصلح بين طرفيها ، هذه اللجنة إن تكونت ؛ سوف تنجح إذا سلكت المنهج الرباني، واتخذت النبراس التالي: " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ  بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".

صاحب الدماغ الناشف

صاحب الدماغ الناشف

هو شخص موجود بيننا، يرافقنا في حياتنا، ونتعامل معه في يومنا، يعشق التعصب المريض، وينتهج التصلب البغيض، حيث يسيطر بكلامه على كلام جلسائه، ويملي على غيره مراده وتوهماته ؛ لا يسمع صوتاً، ولا يقبل نقداً، ولا يأخذ من أحد قولاً، إذ يعتقد في صدق آرائه ، وصواب أفكاره ؛ وإن كانت على خطأ، أو فيها الخطأ.

إنه شخص تجده يميل إلى فرض ذاته، والاعتداد برأيه، والتعدي بالسيطرة على عقل غيره؛ دون سند علمي، أو فهم منطقي ، ولكن بقصد إظهار القوة، واجتذاب الضوء، ولفت النظر، وكسب الشهرة، وإن استخدم في ذلك سلوك العناد، وأساليب العنف، ووسائل العدوان.
إذا شاهدته فعلى ملامحه عبوس، وفي حاجبيه تقطيب، وفي عينيه حنق وضيق ، وأما مشاعره ففيها قلق واضطراب، وشك ووسواس ، وعلى هيئته استعلاء وكبرياء ، وعجرفة وغرور.

هو يعتقد أنه عالي الذكاء، مرتفع الفهم، عظيم القدرات، متفوق على كل البشر،  بينما هو شخص قليل الفطنة، ضعيف الحصافة ، بليد الكياسة،  تجده في صراع دائم مع من حوله، حتى مع أقرب المقربين له، ولذلك فهو منبوذ مرفوض وغير مرغوب، فالخصائص العقلية لديه غير ناضجة، والنواحي الانفعالية غير صحيحة، والجوانب الاجتماعية غير سليمة.

ربما حدثت له صدمات نفسية مؤلمة، أو يعاني من صراعات شخصية، أو تورمات وظيفية، أو تضخمات اجتماعية ، لكنه ـ ولا شك ـ  ضحية لأخطاء تربوية في الأسرة والمدرسة، وضحية لحشوات عقلية ملوثة؛ تغذيها مصادر معرفية مشوشة؛ وهي التي تدفعه بقوة إلى الانغلاق على نفسه، والعناد مع غيره، والتصلب في تفكيره، والتحيز لمحتوى أفكاره.

وحتى لا يتحول صاحب الدماغ الناشف إلى أداة فساد وهدم، وبوق إرباك وتشويش؛ ينبغي تنبيهه إلى أهمية المرونة مع الآخرين، باعتبارها قوة نفسية، وصحة عقلية في الشخصية، وهي لا تعد عند العقلاء هزيمة وضعف، ولا قصور ونقص.
 ومن ابتلي بمجالسة مثل هذا الشخص، فعليه التعامل معه بهدوء وموضوعية، و إخراجه من فكره الجامد بعلم وروية، وحكمة وعقلانية، على أن يُعطى المساحة الكافية لبيان وجهة نظره، وتقويم أفكاره، ومراجعة حساباته، مع امتداح إيجابياته، وتجاهل عناده البسيط.
 كما يجب عليه أن يتعلم مهارات التعامل الراقي، والانفعال الهادئ، والحوار الناجح، والنقد الهادف، والتفكير السليم، والسلوك المنضبط، ، وكل ما يجعله يستجيب للحق المبين، والرأي الصحيح ، والنهج السليم، والمنهج المستقيم.

الأحد، 31 يوليو 2011

أصلح ... أصلحك الله

أصلح ... أصلحك الله


ففي كل يوم؛ نسمع عن خصومات تقع بين الناس ، ونشاهد صراعات ومنازعات تحدث هنا وهناك، أغلبها لأسباب دنيوية، ومعظمها في مواضيع يسيرة، وقضايا بسيطة؛ لا تستدعي التوتر، ولا التضخيم ، ولا التأزيم.

إن الاختلاف صفة طبيعية من الصفات البشرية المكتسبة، قال الله تعالى " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك"، فالإنسان يرافقه عدوه اللعين (الشيطان) ، المكلف بالتحريش والغواية، والذي لن يسلم منه أحد من البشر، حتى أكثرهم علماً ، وأحسنهم تقوى .

تحدث المخاصمات بين الدول مع بعضها البعض ، وتقع بين الحكام والشعوب، والرؤساء والمرؤوسين، والأزواج والزوجات، ، وكذلك بين الأقارب والجيران والأصدقاء، فينتج عنها حدوث القطيعة، وزرع الضغينة، وتوليد الكراهية ، وتفريق القلوب، وفتح صراعات،وجلب آثام، وانتهاك حرمات، وارتكاب محرمات.

فكم حروب قامت ، وبيوت هدمت، وأموال صرفت، وأوقات ضيعت، وأنفس تفرقت، وحياة فسدت؛ والسبب خلافات بسيطة وقعت ، وهفوات يسيرة حدثت، والتي كان من الممكن تلافيها، إذا توفر المصلح الصادق الأمين، الذي يفض النزاع؛ بتبيين الخطأ ، وإظهار الصواب.

كنا بالأمس نعالج مشاكلنا بيننا ، داخل نطاق ضيق، وفي سرية تامة، إذ كان بيننا المصلح المتطوع، الذين عمل على توثيق روابط المودة ، وإعادة جسور المحبة. كان أهل النزاع يأخذون بنصيحته، ويعدونها حكماً ملزماً بالنفاذ، وهو الذي مازال موجوداً ومطلوباً ؛ في مجتمعات قروية، وجماعات بدوية، ولكن محدودة.

لقد عصم الله بالمصلحين دماء وأموال ، وويلات وتطورات؛ كادت أن تتأزم، لولا فضل الله تعالى ثم  بفضل جهود المصلحين ومساعيهم، فلماذا لا نحرص على درء الخصومات، وقطع المنازعات ـ كما كان قديماً ـ دون الرجوع إلى المحاكم الشرعية، والجهات الأمنية؟!، والتي تعاني من كثرة المراجعين، وتأخر المعاملات، وطول الإجراءات.

الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة، حثنا عليها الخالق سبحانه وتعالى، الذي قال:" وأصلحوا ذات بينكم "(الأنفال :1)، أعظم ما يجنيه المصلح من وراء عمله الكبير: "إنا لا نضيع أجر المصلحين " [الأعراف: 170] ، وقال عليه الصلاة والسلام:"أفضل الصدقة إصلاح ذات البين"، وذكر الأوزاعي (رحمه الله تعالى) : ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ) .

إن المجتمع يبحث عن المصلح العادل؛ صاحب النفس الأبية، والأخلاق الحسنة، والسيرة النظيفة ، المصلح الذي يملك الكفاءة والنزاهة ، ويجيد مهارة الاستماع ، وأساليب الإرشاد والإقناع، والذي يبذل ماله وجهده ووقته طلباً للأجر والثواب من الخالق سبحانه، وتحقيقاً لقيمة الأخوة، وواجب النصيحة، وأهمية الوحدة واللحمة.

ألا يمكن أن يكون لدينا في كل مسجد من مساجدنا؛ لجنة تطوعية  من المتقاعدين مثلاً ؟! تقوم على النظر في مشاكل الجيران، وتعمل على علاجها، وعقد راية الصلح بين طرفيها ، هذه اللجنة إن تكونت ؛ سوف تنجح إذا سلكت المنهج الرباني، واتخذت النبراس التالي: " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ  بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".

السبت، 2 يوليو 2011

كلمة إلى مطلقة

كلمة إلى مطلقة

وقع الفراق بينك وبين زوجك ؛ فكان وقعه أليماً على نفسك، انهمرت بسببه دموعك، وعلا نحيبك، وغار جرحك، وعظمت همومك، وهو أمر مقدر عند الخلق، ومكتوب من الذي بيده كل أمر.
  
حدث الطلاق؛ فجاءت الآلام ، واستوطن السواد، غرقت في ظلمات من الكرب والأسى ، وسكنت في صومعة العزلة ، وكهف الانزواء، ظننت أن الرجال حالهم كحال زوجك، وتخيلت أن الحياة لا طعم فيها، ولا لون، ولا رائحة، واتخذت من الكآبة وسيلة لبقائك، وحيلة لهروبك.

هي تجربة مريرة مررت بها؛ مع زوج متهور غير رحيم، عشت معه الليالي الموحشة، والأيام المظلمة، أذاقك فيها طعم الظلم، وألم الفاقة، ونار القهر، وحياة الكدر، ومعيشة النكد، صبرت على طيشه وبطشه، وبذاءة لسانه، وسوء خلقه، ولم يعاملك بمعروف وإكرام، ولم يعاشرك بتقدير وإحسان.

حالة الطلاق أيتها المرأة الجليلة ؛ ليست وصمة عار على جبينك، ولن تكون سبباً في شقائك، ولن تؤدي إلى ضياعك، ولن تكون عقبة في طريقك، بل هي مرحلة مضت ، وصفحة قد انتهت، ما مضى فات، وما فات فقد مات، اعزمي الآن على نسيان الماضي، ولا تبكين على عمر مضى، وأطلال وذكريات، فمن تخلى عنك؛ دعيه ولا تذكريه، ولا تكثري عليه التأسف، ولا تلقي على النفس اللوم ، أو تشعرينها بالذنب ، أو تحملينها الخطيئة.

خلق الله الضراء، وأوجد السراء؛ فقليل من الأمل، يجعل للحياة طعماً آخر، فارفعي رأسك واخلعي عنه لباس الحزن ، ورداء اليأس، انطلقي في مضمار الحياة ، وابتسمي للغد القادم ، "وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته" (النساء: 130)، أي يرزق المرأة بزوج آخر، والزوج بامرأة أخرى.
حياتك بزوج، أو نصفه، أو ثلثه، أو ربعه؛ خير من بقائك تصارعين أعباء الحياة لوحدك؛ فأحسني النظر، ولا تترددي في الاختيار.
احفظي كتاب ربك، وارتشفي رحيق الأمان، والاستقرار في ظله، واصلي دراساتك، واستمتعي بهـواياتك،  واجتهدي في عملك، ومارسي حياتك بهدوء واطمئنان، ولا تلتفتي خلفك، ولا إلى ما يقولـه عنك الذي حولك.

جرحك سيندمل؛ إذا تجاهلت الماضي وصفحاته، ففي تقليبه تنغيص وتكدير، ولن يفيدك في علاج حالك، ولا في إصلاح وضعك، فامسحي من صفحات ذكرياتك ما مضى وما حدث، وتفاءلي خيراً بما سيحدث لك في القادم من الزمان.

إذا كنت مع الله تعالى؛ اعلمي أن معـك كل شئ ، وسيعوضك خيراً مما أخذ منك، فإن الله تعالى قريبٌ منك، يعلم مصابك وبلواك، ويسمع دعاءك ونجواك، فأرسلي له حاجتك، وبثي إليه شكواك، فإنه لن يردك خائبة، وتفاءلي بالنصر، وتعزي بالصبر، ولا تقنطي من رحمة الله تعالى، انتظري الأيام القادمة ، والتي سوف تكون ممتلئة بالبهجة والمسرّة.

لا يوجد كرب؛ إلا ومعه فرج، ولا يوجد صبر إلا ومعه نصر، مهما طال البلاء، ومهما عظمت الآلام، فهي إلى زوال، وسوف تتحول الكآبة إلى فرحة، والمحنة إلى منحة.
 أبشري بفرج الله تعالى القريب العاجل؛ " فإن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً "، "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب"، و(من أكثر من الاستغفار؛ جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب).



الجمعة، 1 يوليو 2011

هلك عني سلطانيه

سقطت في الفترة الأخيرة؛ أنظمة سياسية ديكتاتورية، وأزيلت قيادات عربية مستبدة؛ استعبدت شعوبها، واستعمرت عقولها، وأذلت وجودها، واستغلت ثرواتها، وأعاقت تطورها، وقضت على طموحاتها.

اقرؤوا تأريخ صدام حسين ونظامه العبثي في العراق، وسيرة زين العابدين؛ ونظامه الليبرالي في تونس، ومسيرة حسني مبارك؛ مع نظامه العلماني في مصر، سقط هؤلاء وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وسيسقط بعدهم ـ بأمر الله تعالى ـ المجرم/ معمر القذافي ونظامه الاشتراكي البائس.

لقد أهلكهم الجبار؛ كما أهلك الرؤساء الذين من قبلهم؛ هتلر وستالين وموسوليني، وسينهار كل رئيس مخالف لمنهج الله تعالى، وكل حاكم معارض لشريعته في هذا الكون، " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته"، رواه البخاري ومسلم .

إن هؤلاء الحكام أزيحوا بكل الذل والإهانة ـ ولا كرامة ـ، لم تمنعهم قصورهم، ولا أموالهم ، ولا جنودهم ، ولا إعلامهم، ولا جبروتهم، ولم تنفعهم أعمالهم التي بذلوها، ولا المشاريع التي نفذوها، ولا الصفقات التي عقدوها، ولا المعاهدات التي وقعوها، ولا العلاقات التي أقاموها، ولا التنازلات التي قدموها، ذلك لأنها لم تكون من أجل الله تعالى ، ولا في سبيل الله تعالى.

كان منهج هؤلاء الطغاة هو السحق والخنق ، والترهيب والتركيع ، وكان شغلهم الشاغل بناء القصور، وجمع الأموال، والاستحواذ على الخيرات، وكانوا يحرصون على أخذ الجباية من شعوبهم، وإشغال أجهزة الأمن بحمايتهم، ووسائل الإعلام بتمجيدهم، وكان لهم الأمر والنهي حتى في أحكام القضاء، ولم يجد من خالفهم، أو عارض جبروتهم؛ إلا القمع، أو السجن، أو القبر.

ثم هاهي شعوبهم المقهورة ؛ التي صبرت سنين طويلة؛ على الذل والظلم، والرعب والفاقة ؛ فإذا هي تثور عليهم، وتصرخ في وجوههم، وتزلزل أقدامهم، وتهدم عروشهم، ولكن الذي أخشاه على هذه الشعوب؛ هو مجيء رئيس أطغى وأظلم ممن سبق، أو أن يقع بينهم مصادمات ومناحرات ، أو أن يتم تقسيم بلدانهم؛ كما قسمت السودان.

ألا ليت الحكام يعلمون؛ أن مطالب الشعوب المشروعة؛ هي مطالب ممكنة من كل حكومة:
مساكن مناسبة، وظائف شريفة، خدمات متوفرة، عدالة متحققة ، مشاركة سياسية، حرية محترمة، معيشة آمنة، وحياة مكرمة، "الأمارة أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة؛ إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها" رواه مسلم وغيره.

السبت، 25 يونيو 2011

من رحيق الرحلة الدراسية

فإنّ في أوراق الذكريات الفردية، وفي صفحات التجارب الخاصة؛ متعة وجاذبية ، وقيمة وفائدة، ولها قراؤها الذين يبحثون عنها، وينظرون فيها، ويستفيدون من أفكارها.
وتتضمن السطور القادمة؛ نبضات شخصية ، عن الرحلة الدراسية في المدارس والجامعات، وهي تحتوي على خلجات نفسية، وخواطر تعليمية ، وسوانح تربوية، قد تتفقون معي فيها أو تختلفون، ولكن أتمنى أن يكون فيها منفعة للمربين، وفائدة للدارسين .

الدراسة الابتدائية:

درسنا المرحلة الابتدائية بمدرسة القرية في محافظة بالجرشي، وكانت في مبنى مستأجر، يقع على سفح جبل، ويطل على أودية خضراء، وغابة جميلة، وفيها كانوا يعتنون بتعليمنا؛ طريقة الكتابة الصحيحة،إذ كان المعلمون يطلبون نسخ ما في الكتاب بشكله، وعلامات تشكيله، مع تكرار ذلك مرات عديدة، فكنا نعتني بتحسين الخطوط ،وتجميل رسمها.
 وفي مادة القراءة؛ كنّا نتدرب على القراءة بصوت عالٍ داخل المدرسة وفي المنزل، حيث نتنافس فيما بيننا على الطلاقة ،وعدم الخطأ، لكننا خرجنا منها؛ لا نجيد تلاوة القرآن الكريم تلاوة سليمة، إذ كان معلم القرآن لا يعتني بتصحيح التلاوة، وأظنه كان لا يجيدها.
ومازالت في الذاكرة؛ دروس عن الوضوء، وكيفية الصلاة، والتي  أخذناها عملياً في مصلى المدرسة، كان لكل طالب إناء خاص (علبة فارغة)، لوضوء صلاة الظهر، ولها موقع تجمع فيه لذلك.
ومن ذكرياتها المفيدة: قيامنا بزيارة أحد زملائنا في منزله؛ عندما كان مريضاً، فرسخ في أذهاننا أهمية عيادة المرضى، وطلب الأجر فيها.
وفي أسبوع المساجد ؛ كنا نذهب لزيارة المساجد ، ونقوم بتنظيفها ، وترتيب مصاحفها، كما كنا في أسبوع النظافة؛ نتسابق في تنظيف طرقات القرية ، وتعليق اللوحات الإرشادية، فزرع في نفوسنا ؛ قيمة النظافة وأهميتها.
وأذكر أننا أعددنا حفلاً مسرحياً، ومعرضا فنياً، وشاركنا في مهرجان رياضي مع مدارس المحافظة، وبالرغم من وجود منافع جمة في ذلك؛ إلا إنها أخذت من وقت الدراسة جزءاً كبيراً.
ومما كان يبهجنا؛ خروجنا من الفصل لحضور الدرس في المكتبة أو المصلى، وكم كان يسعدنا معلم العلوم الذي أعطانا بعض الدروس؛ تحت إحدى الأشجار الوارفة الظلال، وكذلك معلم التربية الفنية الذي كنا نخرج معه على سفح الجبل، لرسم المناظر الطبيعية.
وكنا في هذه المدرسة؛ نتسابق على تشغيل الإذاعة، ونعمل على تقديم فقراتها(صباحاً، وأثناء الفسحة)،وفيها نتنافس على وضوح الصوت، وسلامة المنطق، وجودة المادة المقدمة.
ومن السلبيات:أننا كنا نهاب المعلمين، ونخشى بطشهم، إذ كانوا يضربون الطلاب لأي خطأ كان، (ضرب بعصا غليظة على اليدين والرجلين والظهر، وضرب على الوجه، ونقر على الرأس، وبرم القلم بين أصبعين،والوقوف على رجل واحدة مع حمل الشنطة.....)، بل إن أحدهم كانت تصدر منه ألفاظاً بذيئة فيها صفات حيوانية؛ وما كان يليق حدوثها من موجه للأجيال (عفا الله عنا وعنهم).
 وكان بعضهم يمارس التدخين على باب الفصل، بل كنا نحضره إليهم (من سياراتهم، أو من حقائبهم)؛ وذلك استجابة لطلبهم.
وأذكر أننا كنا نقف للمعلم حال دخوله الفصل ، إذ كان للمعلم هيبة وتقدير، وفي الوقوف تهيئة ونشاط، راجياً ألا يكون الحديث الشريف ؛ الذي ينهى عن الوقوف؛ ينطبق على صنيع معلمينا، صح عنه عليه الصلاة والسلام: [من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار].
وكنا في أيامها؛ نشارك أسرنا في فلاحة الأرض، ورعاية الغنم، لكنهم مع ذلك يتابعون ـ بشكل يومي ـ  دروسنا، يستمعون لحفظنا، وينظرون في دفاترنا.
ومازال في ذاكرتي؛ ذلك الصوت المرتفع الذي صدر بين معلم والمدير، مما أخافني، واختلت الصورة أمامي، فالصراع والاختلاف الذي قد يحدث بين المعلمين؛ لا ينبغي أن يلمسه، أو يشاهده، أو يسمع به الطلاب ألبته.
وأذكر في أيامنا؛ أن الطلاب كانوا يحرصون على التنافس الشريف، والتسابق البناء في التحصيل، والحضور المبكر، وعدم الغياب، فتأصل في نفوسنا أهمية التفوق، والاهتمام بالتميز. أرجو أن تقارنوا ذلك بحال أبنائنا اليوم مع نظام التقويم المستمر، والذي ألغى النبوغ ،وأطفأ التنافس البناء (مع الأسف).

الدراسة المتوسطة والثانوية:

كانت الدراسة المتوسطة والثانوية بالمعهد العلمي في بالجرشي، منذ عام 1397هـ،إلى عام 1402هـ، والذي يتميز بالعلوم الشرعية والعربية، كانت الدراسة في كتب قيمة؛ لمؤلفين قدامى(رحمهم الله تعالى)، وهي أثمن وأثرى وأبقى في ذهن الطالب من المناهج الحديثة.
إلا إننا افتقدنا في المعهد دراسة العلوم الطبيعية، ومناهج التربية الفنية، ومناشط التربية البدنية، ولم يكن هناك اهتمام بمادة اللغة الانجليزية، إذ كانوا يتساهلون في أمرها ، ومسألة اجتيازها، مما أدى إلى ضعفنا فيها، ومازلنا إلى اليوم نعاني من حاجتنا إليها .
كانت المناهج في المعهد تتطلب حفظاً وفهماً لدروسها ، فكان المعلمون يحاسبون الطالب على الخطأ البسيط إذا لم نتقنه جيداً، فأرهقنا الحفظ، الذي ضاع منا بعد الاختبارات.
ومما شدني وأبهرني؛ حديث بعض المعلمين باللغة العربية الفصحى، واستشهادهم بنصوص شرعية، أو بأبيات من الشعر الفصيح، والكلام البليغ، فكنت إذ رجعت إلى المنزل للمذاكرة؛ اعمل على محاكاتهم، وأحاول تمثيل دورهم.
ومما يؤسف له ؛أن أغلب المعلمين في هاتين المرحلتين؛ كانوا لا يعتنون بتصحيح الواجبات المنزلية ، بل تضرب على الدفاتر إشارة الصواب، دون التأكد من صحة المكتوب، كما  كانوا يهملون كتابة العبارات  المحفزة على التقدم.
وكان مما أفادنا؛ التوجيهات الدينية، والمواعظ الإرشادية التي كانت تلقى بعد صلاة الظهر،بل إننا شاركنا في إلقاء مواعظ توجيهية بعد صلاة الجمعة، في مساجد القرى، حيث كنا نوزع عليها ، مع معلم يرافقنا، وكان هذا في الصفين: الأول والثاني المتوسط، والتي توقفت بعد ذلك.
وكنا نتسابق في الفسحة على الدخول إلى المكتبة ،ونحرص على استعارة الكتب بشتى أنواعها، إلا إن هناك بعض الكتب الأدبية، التي تحتوي على نصوص وعبارات غير لائقة، لا أرى مناسبتها للمرحلة العمرية للطلاب .
وأذكر أننا قمنا بزيارة إلى معهد الخرج العلمي بحافلة المعهد، فكانت رحلة ثرية وممتعة، مدتها أسبوع كامل، وزرنا فيها مناطق عديدة .
 وفي الصف الأول الثانوي؛ شاركنا في مخيم إسلامي في الرياض، وفيه قابلنا علماء مشهورين، على رأسهم : عبدالعزيز بن باز(يرحمه الله تعالى)، فكان المخيم مصنعاً تربوياً شاملاً ، دفعنا إلى التزود بالعلوم ،وتنمية المهارات الشخصية.
وكانت تعجبني مسابقة المطارحات الشعرية في برامج الأنشطة، فكنا نحرص على حفظ أكبر عدد من الأبيات، حتى نظفر بالفوز فيها.
وأذكر في نهاية المرحلة الثانوية؛ أن جاءنا مندوبين من الكليات العسكرية؛ لتعريف الطلاب بها ، وحثهم على الانضمام إليها، وتقديم استمارات القبول الفوري فيها.
وكان لطلاب هذا المعهد؛ (بوجه عام ) عناية بالسلوك الديني والأخلاقي ، واهتمام شديد بحفظ المقرر المطلوب، وحرص بارز على عدم الغياب ،إذ توجد مكافأة مالية شهرية يستلمها كل طالب، لكننا واجهنا مشكلة في وثيقته بعد تخرجنا منه ؛ إذ لا يمكن لطلابه الالتحاق بالدراسة الجامعية في التخصصات العلمية البحتة.

الدراسة الجامعية:

كانت الدراسة في فرع جامعة الإمام في أبها منذ عام 1403هـ،إلى عام 1406هـ،وفيها افتتح أول قسم لعلم النفس، فرأيت أنه علم جديد عندي، ومفيد لشخصيتي، فكنت أول المسجلين، وكان عدد الدفعة اثنا عشر طالباً.
ثم رأينا من أساتذتنا ؛ من هو ثروة علمية وخلقية ، وفيهم من يختزل المعلومة، أو يقتطع أغلب الوقت في أحاديث جانبية، أو يترك المحاضرة في جلسة صامتة ، ولكن أبهرني كثيراً ؛ الثقافة الراقية ، والأخلاق العالية لدى بعض الأساتذة في أقسام أخرى.
ومما يؤسف له؛ أن أحد المحاضرين كان يملي علينا طوال وقت المحاضرة، من دفتر خاص لديه، وكان الأولى توجيهنا لجمع المعلومات من الكتب، أو تصوير ما يرى ، مع تحفظي على مسألة تصوير الطلاب للمذكرات، لأن الكتابة أرسخ للمعلومة في الأذهان.
وكانت أعظم فائدة وجدناها في تخصصنا، وأكثر ثمرة جنيناها؛ الزيارات العلمية التي قمنا بها للمواقع المتخصصة، إذ حفزتنا على البحث عن المعلومة، وربطها بما شاهدناه .
 والحق أن الجامعة أبهرتني مناشطها، واستهوتني برامجها، ففي قاعة المحاضرات: ندوات وأمسيات وحفلات،وفي خارجها: رحلات ومخيمات ومعسكرات، فكنا نجتهد على التواجد فيها، والاستفادة منها، والتفاعل معها.
وفي السكن الجامعي ؛ استفدنا من حلقات تعلم القرآن الكريم والمواعظ التوجيهية بعد الصلوات، وفيه أقمنا علاقات مع زملاء من مناطق أخرى، كما تعلمنا فيه مهارات حياتية كثيرة.
كذلك كنا نتابع أنشطة النادي الأدبي في أبها، والذي كان شعلة مضيئة ، حرصنا فيه على ارتياد مكتبته في المساء، وحضور حلقات البحث ،ومواضيع الحوار.
وفي هذه المرحلة؛ شاركنا بعشيرة الجوالة، انتظمنا في برامجها، واستفدنا من مناشطها، فكانت بحق مصنع عظيم للتربية الشاملة.

دراسة الماجستير:

كانت دراسة الماجستير في علم النفس، تخصص إرشاد نفسي ، بجامعة أم القرى منذ عام 1418هـ،إلى عام 1421هـ، وسبقها دراسة في دبلوم التوجيه والإرشاد لمدة عام دراسي، وفيهما درسنا كتباً قديمة، إذ منها مما سبق دراسته في المرحلة الجامعية (مع الأسف)، ككتب الدكتور/ حامد زهران (يرحمه الله)، وكان الأولى اقتراح أكثر من خمسة كتب للمادة،حتى نرتقي بالرصيد المعرفي، ولكن مما يعيب تخصصنا؛ هو تكرار المعلومة نفسها في العشرات من الكتب.
وكانت في بعض المواد نقاشات ثرية، إلا إن بعضها مكرر،أو عقيم، أو ممل، أو معلوم مسبقاً، ولكن مما أفادنا ؛ الأوراق العلمية الأسبوعية المقدمة في بعض المواد، والتي كانت تدفعنا إلى قراءة الكتب والمجلات العلمية.
 وإنّ مما آسفنا كذلك؛ قيام أحد الأساتذة بتوجيه الدارسين إلى شراء كتبه كاملة، فوجدنا فيها كتابات خاوية، وصفحات مكررة خالية من المنهجية العلمية، كان الأولى به أن يحفظ مكانته العلمية، ولا يفرض على طلابه أمراً فيه مصلحة ذاتية.
ومما آلمنا حقيقة؛ وجود أحد الأساتذة الذين ضيع الوقت في أحاديث متواضعة، وفي حوارات هابطة، وقد رجونا أن يهتم بتطوير نفسه ، وأن يعمل على الرفع من مرتبته العلمية.
كنا نأتي إلى الجامعة من جدة لحضور محاضرة واحدة؛ فنجد المحاضر غائباً عنها، فنتذمر من ذلك؛ حيث لم يتم إبلاغنا مسبقاً، وكان أحدهم يتعمد التأخر عن دخول المحاضرة، جالساً مع زملائه في غرفة مجاورة للقاعة، دون حياء أو تقدير أو اعتبار لطلابه.
وأذكر أن أغلب الطلاب كان يشتكي من تهاون بعض المشرفين على متابعة رسالته العلمية ، بل يترك لهم الحرية والاجتهاد، بينما آخرون يشتكون من تعنت البعض وقسوتهم.
كما لاحظنا أن بعض الأساتذة؛ ضعيف الأداء، قليل الحماس للعطاء،مما أدى إلى فتور في الهمة، وانخفاض في التحصيل لدى بعض الدارسين.
 ومما يؤلمك أن تجد في زملائك الدارسين؛ من يثبط الدافعية، ويضعف العزيمة، ويبث الفتور؛ إذ كان الأولى بجميع الدارسين ؛ التعاضد والمؤازرة للرقي والإثراء.

دراسة الدكتوراه.

تطلب الأمر لهذه الدراسة؛ مراسلة جامعات في لبنان والسودان والأردن ومصر ، وذلك نظراً للشرط ألتعجيزي من وزارة التعليم العالي، التي تشترط التفرغ الكلي لدراسة الدكتوراه ، بينما نحن نعمل في وظيفة حكومية، ولا يحق لمن تجاوز عمره أربعين عاماً الالتحاق بها، ولا أدري ماهو الجدوى من ذلك؟!، بينما طلب العلم من المهد إلى اللحد، وطلب العلم ليس له حد، ولا ينتهي في عمر محدد.
 إن هذه المرحلة الدراسية لا تحتاج إلى الجلوس على مقاعد الدراسة، بل يمكن للدارس أن يحصل على المعلومة اليوم في يسر وسهولة،وقد كنا نتمنى أن تكون أبواب الجامعات عندنا مشرعة، والمقاعد متوفرة؛ لطالبي الدراسات العليا، كما هو الحال في دول مجاورة لنا، ولكن مازلنا نراهم مقيدين بالطرق التقليدية للدراسات   العليا ؛ من شروط ومطالب، ووقت طويل بلا حاجة ولا قيمة.
وبعد الاستخارة والاستشارة؛ اتجهنا إلى جامعة الأزهر واستكملنا متطلباتها في قسم الصحة النفسية بكلية التربية، واطلعنا على أغلب البحوث والدراسات القائمة فيها، واجتزنا موادها، وتعين لنا المشرف العلمي، وأعددنا موضوع الدراسة وخطتها، وتكررت الزيارة، ثم رأينا أن الجهد يقوم علينا، وأن الفائدة معدومة، وأن الرسوم المالية عالية، وأن الاعتماد من التعليم العالي غير مضمون ، فصرفنا النظر عنها، واتجهنا إلى الجامعة الأمريكية، والتي تواصلنا معها حتى أتممنا متطلباتها ، وأنجزنا مقرراتها.
الدكتوراه شهادة دافعة للإنسان على تنمية الفكر السليم، وتقديم البحث العلمي الرصين ، وطرح النقد المؤصل، وهي أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة ، تتطلب البذل العلمي الدائم، والعطاء الفكري المتواصل.


وبعد:
فإن طلب العلم لا ينتهي ما دمنا في هذه الحياة، وهي دعوة للجميع؛ إلى الاهتمام بالقراءة اليومية المفيدة، والحرص على حضور كل محاضرة أو جلسة نافعة، كما أدعو إلى المشاركة في سرد الذكريات التعليمية، ونشر التجارب التربوية؛ حتى نتأمل نبضها ، ونستفيد من نبضاتها.
أسأل الله تعالى لي ولكم؛ خيري الدنيا والآخرة.