السبت، 25 يونيو 2011

من رحيق الرحلة الدراسية

فإنّ في أوراق الذكريات الفردية، وفي صفحات التجارب الخاصة؛ متعة وجاذبية ، وقيمة وفائدة، ولها قراؤها الذين يبحثون عنها، وينظرون فيها، ويستفيدون من أفكارها.
وتتضمن السطور القادمة؛ نبضات شخصية ، عن الرحلة الدراسية في المدارس والجامعات، وهي تحتوي على خلجات نفسية، وخواطر تعليمية ، وسوانح تربوية، قد تتفقون معي فيها أو تختلفون، ولكن أتمنى أن يكون فيها منفعة للمربين، وفائدة للدارسين .

الدراسة الابتدائية:

درسنا المرحلة الابتدائية بمدرسة القرية في محافظة بالجرشي، وكانت في مبنى مستأجر، يقع على سفح جبل، ويطل على أودية خضراء، وغابة جميلة، وفيها كانوا يعتنون بتعليمنا؛ طريقة الكتابة الصحيحة،إذ كان المعلمون يطلبون نسخ ما في الكتاب بشكله، وعلامات تشكيله، مع تكرار ذلك مرات عديدة، فكنا نعتني بتحسين الخطوط ،وتجميل رسمها.
 وفي مادة القراءة؛ كنّا نتدرب على القراءة بصوت عالٍ داخل المدرسة وفي المنزل، حيث نتنافس فيما بيننا على الطلاقة ،وعدم الخطأ، لكننا خرجنا منها؛ لا نجيد تلاوة القرآن الكريم تلاوة سليمة، إذ كان معلم القرآن لا يعتني بتصحيح التلاوة، وأظنه كان لا يجيدها.
ومازالت في الذاكرة؛ دروس عن الوضوء، وكيفية الصلاة، والتي  أخذناها عملياً في مصلى المدرسة، كان لكل طالب إناء خاص (علبة فارغة)، لوضوء صلاة الظهر، ولها موقع تجمع فيه لذلك.
ومن ذكرياتها المفيدة: قيامنا بزيارة أحد زملائنا في منزله؛ عندما كان مريضاً، فرسخ في أذهاننا أهمية عيادة المرضى، وطلب الأجر فيها.
وفي أسبوع المساجد ؛ كنا نذهب لزيارة المساجد ، ونقوم بتنظيفها ، وترتيب مصاحفها، كما كنا في أسبوع النظافة؛ نتسابق في تنظيف طرقات القرية ، وتعليق اللوحات الإرشادية، فزرع في نفوسنا ؛ قيمة النظافة وأهميتها.
وأذكر أننا أعددنا حفلاً مسرحياً، ومعرضا فنياً، وشاركنا في مهرجان رياضي مع مدارس المحافظة، وبالرغم من وجود منافع جمة في ذلك؛ إلا إنها أخذت من وقت الدراسة جزءاً كبيراً.
ومما كان يبهجنا؛ خروجنا من الفصل لحضور الدرس في المكتبة أو المصلى، وكم كان يسعدنا معلم العلوم الذي أعطانا بعض الدروس؛ تحت إحدى الأشجار الوارفة الظلال، وكذلك معلم التربية الفنية الذي كنا نخرج معه على سفح الجبل، لرسم المناظر الطبيعية.
وكنا في هذه المدرسة؛ نتسابق على تشغيل الإذاعة، ونعمل على تقديم فقراتها(صباحاً، وأثناء الفسحة)،وفيها نتنافس على وضوح الصوت، وسلامة المنطق، وجودة المادة المقدمة.
ومن السلبيات:أننا كنا نهاب المعلمين، ونخشى بطشهم، إذ كانوا يضربون الطلاب لأي خطأ كان، (ضرب بعصا غليظة على اليدين والرجلين والظهر، وضرب على الوجه، ونقر على الرأس، وبرم القلم بين أصبعين،والوقوف على رجل واحدة مع حمل الشنطة.....)، بل إن أحدهم كانت تصدر منه ألفاظاً بذيئة فيها صفات حيوانية؛ وما كان يليق حدوثها من موجه للأجيال (عفا الله عنا وعنهم).
 وكان بعضهم يمارس التدخين على باب الفصل، بل كنا نحضره إليهم (من سياراتهم، أو من حقائبهم)؛ وذلك استجابة لطلبهم.
وأذكر أننا كنا نقف للمعلم حال دخوله الفصل ، إذ كان للمعلم هيبة وتقدير، وفي الوقوف تهيئة ونشاط، راجياً ألا يكون الحديث الشريف ؛ الذي ينهى عن الوقوف؛ ينطبق على صنيع معلمينا، صح عنه عليه الصلاة والسلام: [من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار].
وكنا في أيامها؛ نشارك أسرنا في فلاحة الأرض، ورعاية الغنم، لكنهم مع ذلك يتابعون ـ بشكل يومي ـ  دروسنا، يستمعون لحفظنا، وينظرون في دفاترنا.
ومازال في ذاكرتي؛ ذلك الصوت المرتفع الذي صدر بين معلم والمدير، مما أخافني، واختلت الصورة أمامي، فالصراع والاختلاف الذي قد يحدث بين المعلمين؛ لا ينبغي أن يلمسه، أو يشاهده، أو يسمع به الطلاب ألبته.
وأذكر في أيامنا؛ أن الطلاب كانوا يحرصون على التنافس الشريف، والتسابق البناء في التحصيل، والحضور المبكر، وعدم الغياب، فتأصل في نفوسنا أهمية التفوق، والاهتمام بالتميز. أرجو أن تقارنوا ذلك بحال أبنائنا اليوم مع نظام التقويم المستمر، والذي ألغى النبوغ ،وأطفأ التنافس البناء (مع الأسف).

الدراسة المتوسطة والثانوية:

كانت الدراسة المتوسطة والثانوية بالمعهد العلمي في بالجرشي، منذ عام 1397هـ،إلى عام 1402هـ، والذي يتميز بالعلوم الشرعية والعربية، كانت الدراسة في كتب قيمة؛ لمؤلفين قدامى(رحمهم الله تعالى)، وهي أثمن وأثرى وأبقى في ذهن الطالب من المناهج الحديثة.
إلا إننا افتقدنا في المعهد دراسة العلوم الطبيعية، ومناهج التربية الفنية، ومناشط التربية البدنية، ولم يكن هناك اهتمام بمادة اللغة الانجليزية، إذ كانوا يتساهلون في أمرها ، ومسألة اجتيازها، مما أدى إلى ضعفنا فيها، ومازلنا إلى اليوم نعاني من حاجتنا إليها .
كانت المناهج في المعهد تتطلب حفظاً وفهماً لدروسها ، فكان المعلمون يحاسبون الطالب على الخطأ البسيط إذا لم نتقنه جيداً، فأرهقنا الحفظ، الذي ضاع منا بعد الاختبارات.
ومما شدني وأبهرني؛ حديث بعض المعلمين باللغة العربية الفصحى، واستشهادهم بنصوص شرعية، أو بأبيات من الشعر الفصيح، والكلام البليغ، فكنت إذ رجعت إلى المنزل للمذاكرة؛ اعمل على محاكاتهم، وأحاول تمثيل دورهم.
ومما يؤسف له ؛أن أغلب المعلمين في هاتين المرحلتين؛ كانوا لا يعتنون بتصحيح الواجبات المنزلية ، بل تضرب على الدفاتر إشارة الصواب، دون التأكد من صحة المكتوب، كما  كانوا يهملون كتابة العبارات  المحفزة على التقدم.
وكان مما أفادنا؛ التوجيهات الدينية، والمواعظ الإرشادية التي كانت تلقى بعد صلاة الظهر،بل إننا شاركنا في إلقاء مواعظ توجيهية بعد صلاة الجمعة، في مساجد القرى، حيث كنا نوزع عليها ، مع معلم يرافقنا، وكان هذا في الصفين: الأول والثاني المتوسط، والتي توقفت بعد ذلك.
وكنا نتسابق في الفسحة على الدخول إلى المكتبة ،ونحرص على استعارة الكتب بشتى أنواعها، إلا إن هناك بعض الكتب الأدبية، التي تحتوي على نصوص وعبارات غير لائقة، لا أرى مناسبتها للمرحلة العمرية للطلاب .
وأذكر أننا قمنا بزيارة إلى معهد الخرج العلمي بحافلة المعهد، فكانت رحلة ثرية وممتعة، مدتها أسبوع كامل، وزرنا فيها مناطق عديدة .
 وفي الصف الأول الثانوي؛ شاركنا في مخيم إسلامي في الرياض، وفيه قابلنا علماء مشهورين، على رأسهم : عبدالعزيز بن باز(يرحمه الله تعالى)، فكان المخيم مصنعاً تربوياً شاملاً ، دفعنا إلى التزود بالعلوم ،وتنمية المهارات الشخصية.
وكانت تعجبني مسابقة المطارحات الشعرية في برامج الأنشطة، فكنا نحرص على حفظ أكبر عدد من الأبيات، حتى نظفر بالفوز فيها.
وأذكر في نهاية المرحلة الثانوية؛ أن جاءنا مندوبين من الكليات العسكرية؛ لتعريف الطلاب بها ، وحثهم على الانضمام إليها، وتقديم استمارات القبول الفوري فيها.
وكان لطلاب هذا المعهد؛ (بوجه عام ) عناية بالسلوك الديني والأخلاقي ، واهتمام شديد بحفظ المقرر المطلوب، وحرص بارز على عدم الغياب ،إذ توجد مكافأة مالية شهرية يستلمها كل طالب، لكننا واجهنا مشكلة في وثيقته بعد تخرجنا منه ؛ إذ لا يمكن لطلابه الالتحاق بالدراسة الجامعية في التخصصات العلمية البحتة.

الدراسة الجامعية:

كانت الدراسة في فرع جامعة الإمام في أبها منذ عام 1403هـ،إلى عام 1406هـ،وفيها افتتح أول قسم لعلم النفس، فرأيت أنه علم جديد عندي، ومفيد لشخصيتي، فكنت أول المسجلين، وكان عدد الدفعة اثنا عشر طالباً.
ثم رأينا من أساتذتنا ؛ من هو ثروة علمية وخلقية ، وفيهم من يختزل المعلومة، أو يقتطع أغلب الوقت في أحاديث جانبية، أو يترك المحاضرة في جلسة صامتة ، ولكن أبهرني كثيراً ؛ الثقافة الراقية ، والأخلاق العالية لدى بعض الأساتذة في أقسام أخرى.
ومما يؤسف له؛ أن أحد المحاضرين كان يملي علينا طوال وقت المحاضرة، من دفتر خاص لديه، وكان الأولى توجيهنا لجمع المعلومات من الكتب، أو تصوير ما يرى ، مع تحفظي على مسألة تصوير الطلاب للمذكرات، لأن الكتابة أرسخ للمعلومة في الأذهان.
وكانت أعظم فائدة وجدناها في تخصصنا، وأكثر ثمرة جنيناها؛ الزيارات العلمية التي قمنا بها للمواقع المتخصصة، إذ حفزتنا على البحث عن المعلومة، وربطها بما شاهدناه .
 والحق أن الجامعة أبهرتني مناشطها، واستهوتني برامجها، ففي قاعة المحاضرات: ندوات وأمسيات وحفلات،وفي خارجها: رحلات ومخيمات ومعسكرات، فكنا نجتهد على التواجد فيها، والاستفادة منها، والتفاعل معها.
وفي السكن الجامعي ؛ استفدنا من حلقات تعلم القرآن الكريم والمواعظ التوجيهية بعد الصلوات، وفيه أقمنا علاقات مع زملاء من مناطق أخرى، كما تعلمنا فيه مهارات حياتية كثيرة.
كذلك كنا نتابع أنشطة النادي الأدبي في أبها، والذي كان شعلة مضيئة ، حرصنا فيه على ارتياد مكتبته في المساء، وحضور حلقات البحث ،ومواضيع الحوار.
وفي هذه المرحلة؛ شاركنا بعشيرة الجوالة، انتظمنا في برامجها، واستفدنا من مناشطها، فكانت بحق مصنع عظيم للتربية الشاملة.

دراسة الماجستير:

كانت دراسة الماجستير في علم النفس، تخصص إرشاد نفسي ، بجامعة أم القرى منذ عام 1418هـ،إلى عام 1421هـ، وسبقها دراسة في دبلوم التوجيه والإرشاد لمدة عام دراسي، وفيهما درسنا كتباً قديمة، إذ منها مما سبق دراسته في المرحلة الجامعية (مع الأسف)، ككتب الدكتور/ حامد زهران (يرحمه الله)، وكان الأولى اقتراح أكثر من خمسة كتب للمادة،حتى نرتقي بالرصيد المعرفي، ولكن مما يعيب تخصصنا؛ هو تكرار المعلومة نفسها في العشرات من الكتب.
وكانت في بعض المواد نقاشات ثرية، إلا إن بعضها مكرر،أو عقيم، أو ممل، أو معلوم مسبقاً، ولكن مما أفادنا ؛ الأوراق العلمية الأسبوعية المقدمة في بعض المواد، والتي كانت تدفعنا إلى قراءة الكتب والمجلات العلمية.
 وإنّ مما آسفنا كذلك؛ قيام أحد الأساتذة بتوجيه الدارسين إلى شراء كتبه كاملة، فوجدنا فيها كتابات خاوية، وصفحات مكررة خالية من المنهجية العلمية، كان الأولى به أن يحفظ مكانته العلمية، ولا يفرض على طلابه أمراً فيه مصلحة ذاتية.
ومما آلمنا حقيقة؛ وجود أحد الأساتذة الذين ضيع الوقت في أحاديث متواضعة، وفي حوارات هابطة، وقد رجونا أن يهتم بتطوير نفسه ، وأن يعمل على الرفع من مرتبته العلمية.
كنا نأتي إلى الجامعة من جدة لحضور محاضرة واحدة؛ فنجد المحاضر غائباً عنها، فنتذمر من ذلك؛ حيث لم يتم إبلاغنا مسبقاً، وكان أحدهم يتعمد التأخر عن دخول المحاضرة، جالساً مع زملائه في غرفة مجاورة للقاعة، دون حياء أو تقدير أو اعتبار لطلابه.
وأذكر أن أغلب الطلاب كان يشتكي من تهاون بعض المشرفين على متابعة رسالته العلمية ، بل يترك لهم الحرية والاجتهاد، بينما آخرون يشتكون من تعنت البعض وقسوتهم.
كما لاحظنا أن بعض الأساتذة؛ ضعيف الأداء، قليل الحماس للعطاء،مما أدى إلى فتور في الهمة، وانخفاض في التحصيل لدى بعض الدارسين.
 ومما يؤلمك أن تجد في زملائك الدارسين؛ من يثبط الدافعية، ويضعف العزيمة، ويبث الفتور؛ إذ كان الأولى بجميع الدارسين ؛ التعاضد والمؤازرة للرقي والإثراء.

دراسة الدكتوراه.

تطلب الأمر لهذه الدراسة؛ مراسلة جامعات في لبنان والسودان والأردن ومصر ، وذلك نظراً للشرط ألتعجيزي من وزارة التعليم العالي، التي تشترط التفرغ الكلي لدراسة الدكتوراه ، بينما نحن نعمل في وظيفة حكومية، ولا يحق لمن تجاوز عمره أربعين عاماً الالتحاق بها، ولا أدري ماهو الجدوى من ذلك؟!، بينما طلب العلم من المهد إلى اللحد، وطلب العلم ليس له حد، ولا ينتهي في عمر محدد.
 إن هذه المرحلة الدراسية لا تحتاج إلى الجلوس على مقاعد الدراسة، بل يمكن للدارس أن يحصل على المعلومة اليوم في يسر وسهولة،وقد كنا نتمنى أن تكون أبواب الجامعات عندنا مشرعة، والمقاعد متوفرة؛ لطالبي الدراسات العليا، كما هو الحال في دول مجاورة لنا، ولكن مازلنا نراهم مقيدين بالطرق التقليدية للدراسات   العليا ؛ من شروط ومطالب، ووقت طويل بلا حاجة ولا قيمة.
وبعد الاستخارة والاستشارة؛ اتجهنا إلى جامعة الأزهر واستكملنا متطلباتها في قسم الصحة النفسية بكلية التربية، واطلعنا على أغلب البحوث والدراسات القائمة فيها، واجتزنا موادها، وتعين لنا المشرف العلمي، وأعددنا موضوع الدراسة وخطتها، وتكررت الزيارة، ثم رأينا أن الجهد يقوم علينا، وأن الفائدة معدومة، وأن الرسوم المالية عالية، وأن الاعتماد من التعليم العالي غير مضمون ، فصرفنا النظر عنها، واتجهنا إلى الجامعة الأمريكية، والتي تواصلنا معها حتى أتممنا متطلباتها ، وأنجزنا مقرراتها.
الدكتوراه شهادة دافعة للإنسان على تنمية الفكر السليم، وتقديم البحث العلمي الرصين ، وطرح النقد المؤصل، وهي أمانة عظيمة، ومسؤولية جسيمة ، تتطلب البذل العلمي الدائم، والعطاء الفكري المتواصل.


وبعد:
فإن طلب العلم لا ينتهي ما دمنا في هذه الحياة، وهي دعوة للجميع؛ إلى الاهتمام بالقراءة اليومية المفيدة، والحرص على حضور كل محاضرة أو جلسة نافعة، كما أدعو إلى المشاركة في سرد الذكريات التعليمية، ونشر التجارب التربوية؛ حتى نتأمل نبضها ، ونستفيد من نبضاتها.
أسأل الله تعالى لي ولكم؛ خيري الدنيا والآخرة.

الشهادة المضروبة


فللمعرفة مريدين ، وللدراسة محبين ، وفي التعليم طلاب مجتهدون ، يبذلون في سبيله جهدهم ، ويعطونه من أوقاتهم، ويصرفون عليه من أموالهم، لا يمنعهم في ذلك مانع ، ولا يثبطهم فيه إنسان ، ولا يعيقهم بسببه نظام.

أبواب العلم اليوم كثيرة ، وساحاته منتشرة، ومنافذه مشرعة ، وأموره ميسرة ، وهو في متناول الجميع، إلا إن بعض المنابر العلمية أسست على هدف تجاري ، واهتمت بالربح المادي.

فمن المدارس الأهلية ؛ من يتسابق إليها الطلاب للوصول إلى النجاح المضمون ، أو للحصول على الدرجات المرتفعة ، وهذا مما جعل التعليم الجامعي يحصر القبول به ؛ على اجتياز الطلاب لاختباري القدرات والتحصيل.

وهناك معاهد صحية ، وكليات أهلية ؛ خرجت لنا طلاباً تشكو وزارة الصحة من رصيدهم المعرفي ، ومستواهم الفني ، مما حدا بها إلى تقويم كفاياتهم مرة أخرى عند التوظيف.

وأما جامعاتنا ؛ ففيها نظام للانتساب، وبرامج للدراسات العليا ، لكن المقاعد فيها محدودة ، والرسوم المالية بها مرتفعة ، مما نتج عن ذلك ؛ انتشار مكاتب تسويقية للخدمات التعليمية في جامعات عربية وأجنبية ، والتي سعت إلى العائد المادي؛ مقابل إشباع طموح الطلاب ، وتسهيل مبتغاهم، وتوفير مرادهم.

مشكلة القبول والدراسات العليا في جامعاتنا، مشكلة متأزمة ،وحالة معقدة، والتي ليس لها إستراتيجية مستقبلية في علاجها ، مما يدعو بعض الدارسين إلى إشباع عطشهم العلمي من جامعات خارج البلاد ، وهم يعلمون أنها شهادات بدون اعتماد رسمي ، وليس لها عائد وظيفي ، والتي نرجوا أن تكون ملزمة لهم على العطاء الراقي ، ودافعة إلى الإبداع ، وحافزة على البذل والتفاني.

ومن واقع تجربة شخصية في دراسة الماجستير بإحدى جامعات المملكة الحكومية ؛ والتي سارت فيها الدراسة بطريقة تقليدية ؛ لها شروط ومطالب ووقت طويل بلا حاجة ، وبدون ضرورة ، والتي رأينا فيها القصور والتقصير ، ولمسنا في بعض أساتذتها الفتور في الأداء العلمي ، حتى إن فيهم من ضيع الوقت في أحاديث جانبية ، لا قيمة فيها ، بل إننا درسنا فيها كتب قديمة ، سبق لنا دراستها في مرحلة البكالوريوس ، فمن الذي يتولى مراقبة الجامعات ؟ ومن المسؤول عن تقويم المخرجات ؟ وللعلم فإن هناك بعض الدوائر الحكومية والمؤسسات والشركات ؛ بدأت تشترط للتوظيف والعمل؛ اجتياز خريجي جامعاتنا لمقاييس واختبارات ومقابلات.

وأما عن دراسة الدكتوراه ؛ فكانت في جامعة عريقة بإحدى الدول العربية ؛ دفعتنا إليها الحاجة العلمية ، والرغبة التطويرية ، إلا إنها لم تكن ثرية ولا ثمينة ؛ وذلك لوجود استغلال مالي لا لزوم له ، مما دفعنا إلى مسلك التعليم عن بعد ، والذي أضحى اليوم أهم وسيلة للدراسة في كثير من الجامعات العالمية ، إذ يعدّ ضرورة من ضروريات العصر ، الذي كثرت أعباؤه ، وزادت متطلباته ، وتيسرت اتصالاته ، وهو نظام له مقررات يجب اجتيازها ، وبحوث يجب إعدادها ، واختبارات لابد من دخولها ، وها هي اليوم بعض جامعاتنا المتطورة ، تقوم بهذا النظام، كجامعتي الإمام والملك عبد العزيز ، إلا إننا نتمنى أن تعتمده وزارة التعليم العالي ، وأن تقوم به جميع الجامعات ، وفي بعض التخصصات ، كما هو الحال في دول مجاورة لنا.

كنا نتمنى الدراسة في إحدى جامعاتنا ، لكن مقاعدها المحدودة ؛ محجوزة مسبقاً، حيث لا يخلو التسجيل فيها من المحسوبية، وهي مازالت على شروطها؛ في منع إكمال الدراسة للموظفين؛ ممن زاد عمره عن أربعين عاماً ، ولا ندري ما هو الهدف من ذلك؟ ، كما إن من شروطهم المجحفة في مرحلة الدكتوراه ؛ التفرغ الكلي للدراسة ، أي إن طالبها عليه تقديم الاستقالة من الوظيفة ، بينما هي مرحلة تستند على  الجهود الذاتية في الإثراء العلمي، والتمكين المعرفي.

يظن بعض الناس؛ أن الشهادة المضروبة هي تلك التي اشتراها صاحبها بماله من جهة خارجية، ولم يتم اعتمادها من عمله، حتى ولو كان مستواه أكبر منها ، وكفاءَتُه أعظم من قيمتها ، وتناسوا أصحاب شهادات معتمدة ؛ غشوا بها أنفسهم قبل غيرهم، شهادات حصلوا عليها من اختبارات اجتازوها بالغش والخداع، شهادات لم يكن هدفها سوى الوظيفة، حصلوا بها على مبتغاهم ، ثم تركوا بعدها تطوير أنفسهم ، وإنماء قدراتهم، وإثراء كيانهم، شهادات فيها فخر وافتخار، وقيمة وظيفية، ووجاهة اجتماعية، لكنها ورقية صورية شكلية ، ليس فيها قيمة حقيقية صحيحة، ولا قوة علمية سليمة، ولا عظمة ميدانية ملموسة.

كان الأولى بصاحب أي شهادة علمية ـ مهما كان مصدرها ـ  ؛ الاستمرار في طلب العلم والمعرفة، والاهتمام بالمراجعة المتكررة لما اكتسبه من فن ومهارة ، والمبادرة إلى تقديم برامج تطويرية، وتنفيذ مشاريع تنموية؛ تفيد في رقي المجتمع، وفي سمو أفراده، وكل حسب تخصصه، وبركة وقته.

قصائد شعبية ظريفة

يوجد في تراثنا العربي مصنفات كثيرة؛ احتوت على أخبار ماتعة، ونوادر باسمة،كما في كتاب المستطرف من كل فن مستظرف للابشيهي ، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب خاص الخاص للثعالبي ، وكتاب البخلاء للجاحظ وغيرها كثير، كذلك يوجد في دواوين الشعر العربي أدب خاص يسمى الأدب الضاحك الفكاهي، الذي يحتوي على قصائد ممتلئة بالبسمة والفكاهة، والطرفة والظرافة.

ومعلوم أن الابتسامة فيها منافع نفسية كثيرة، فهي تزيل التوتر والضجر ، والنكد والتعب ، ولها رونق وجمال؛ تضفي على وجه صاحبها النور والراحة والسرور، وهي سبب رئيس في جذب الناس إليه ، والذين بطبيعتهم يميلون إلى كل فعل لطيف، وأمر ظريف.

الشعر الضاحك فلسفة تعبر عن موقف، أو نظرة، أو فكرة ،يقدمها الشاعر بالتصريح اللطيف، أو باللمح والتلميح، وهو فن لا يجيده إلا قلة من الشعراء ، لكن الشاعر المسؤول هو الذي يتناول هموم الأمة ، ويهتم بقضاياها، ويتفاعل مع إنجازاتها، وهو الذي يبتعد عن الكلمات البذيئة والمبتذلة، والقصائد السمجة والرديئة.

وفيما يلي مقتطفات يسيرة ومختصرة،من ساحات الانترنت الأدبية ؛ التي تحتوي على مقاطع شعرية هزلية كثيرة ،منها الغث، وفيها السمين، ومنها النافع، وفيها الضار، ولعل ما نقدمه هنا؛ فيه تسلية وقيمة وفائدة.

فمن الصور الباسمة، قول أحد الشعراء:
ياونتّـي ونّـات ســوّاق تكـسـي.....زلّ النهـار وما حصّـل لـه ريـالات.
والاّ مريض(ن)علّتـه شـي نفسـي.....ما فاد بـه كـيّ العـرب والقـراءات.

وهذه شاعرة شعبية ؛ تزوج عليها زوجها،قالت:
ياليت حكم المره في شرعنا يقبلونه.....واقضي على راعي الثنتين واخرج جنونه.
واحكم عليه الخطأ واقل لهم يشنقونه.....واستخرج الروح من جسمه واخرج عيونه.

ومن قصيدة للزوجة الأولى، ترحب بالثانية:
يا مرحباً عدّ ما سارت بك أقدامك.....إن كنت صدام فانا بوش قدامك.

وهذا الشاعر/ حنيف ؛ عُرف بنهمه الشديد للقهوة ، حتى تأفف منه مستضيفه قائلاً:
خمسة عشر فنجال لحنيف صبيت..... لو كان بطنه قربةٍ قد ملاهـا.
فرد عليه حنيف قائلاً:
لا تحسبني من دلالك تقهويـت..... ما تنقه الشراب من كثر ماها.
يا موصّي الحرمة على صكّة البيت..... تقول ما انته فيه وانته وراها.

وفي مجال الهجاء، يقول شاعر:
بعض البشر ودك تحطه بمخباك..... وتظهر خشيمه كل ساعة وتحبّه .
وبعض البشر ودك تُلخّه بمسحاة..... وترجع عليه كل ساعة وتلخّه.

وفي هذا المضمار؛ لشاعر آخر:
بعض العرب ودك ترصه على القلب..... وبعض العرب ودك ترصه بمشعـاب.
وبعض العرب لا هو بموجب ولا سلـب ..... صفراً على يسـراك ميـزود حْسـاب.

ومن الصور الشعرية التي فيها دعابة مبالغة:

يا مرحبا ترحيبةٍ تسبق الفار..... لا صار في دربة ثلاثين بِسّه.
*****
من زود حبك مايجي عيني النوم ..... ومن كثر مااسهر باعوا أهلي فراشي.
*****
شريت لي ثوب على شان لقياك..... والثوب راحت موضته مالبسته.
*****
حبي بنالك وسط قلبي عمارة..... ومن زود الغلا تحت العمارة دكاكين.
*****
أخذت في حبك شهادة تفوق ..... لكن عجزت ألقى بقلبك وظيفة.
*****
أنت الحلا والناس جنبك ولاشي *** مثل الجلاكسي بين توفي وغندور.
*****
ياقرب واشنطن ولندن وباريس..... حذفة عصا للي رصيده ملايين.
*****
قلبي قبل فرقاك ما ينقص الزيت ..... واليوم أزيده في كل مشوارعلبه.
*****
احرص عن الزلات في كل الأحوال.....لا تنخدع باللي يلجّغ لُبانه.
*****
بعض البشر يسوى ثمانين مليار..... وبعض العرب تدفع لفرقاه مليون.
*****

تنبيه مهم:

هذه المقالة؛ دعوة إلى البشاشة، والتفاؤل، وانشراح الصدر، والجد الوقور، ونبذ التجهم والتشاؤم والكآبة،وترك الضحك العابث، والقول الفارغ، والمزح الثقيل.



زلزال اليابان

زلزال اليابان

هاهي اليابان؛ الدولة الراقية علمياًً، والمتقدمة تقنياً ، والمتطورة صناعياً؛ لم تستطع أن تحمي أراضيها من الزلزال الذي أصابها قبل أيام، والذي خلف الآلاف من القتلى والمشرَّدين، وتسبب في دمار المساكن والممتلكات، وأشاع الرعب في العالم؛ بسبب مخاطر المفاعلات النووية المتضررة .

اليابان دولة قوية اقتصادياً، لديها تدابير كبيرة، واحتياطات شديدة؛ يحرصون عليها عند إنشاء بيوتهم ، وبناء منشآتهم، ففي أسفل كل بناية متعددة الأدوار؛ يوجد نظام بناء يجعلها تتمايل عند حدوث الزلزال ولا تسقط، اليابان جزيرة معرضة للاختفاء مع مرور الوقت (كما يذكرون) ، فهي محاطة بالماء من جميع الجوانب، وقيل إنها كانت جزءاً من الصين، وانقسمت نتيجة الزلازل .

"وخلق الإنسان ضعيفاً" (النساء: 28)؛ فمن يشاهد مقاطع الفيديو المنزلة عن هذه الكارثة؛ سيرى مئات المنازل والسيارات والقوارب والطائرات، التي جرفها الطوفان، وهي تتقلب فيه كقطع الفلين ، ولا مغيث لهم ولا نصير، وهي مناظر تؤكد أن الدول مهما بلغت من العلم والقدرة، والسلطة والقوة ، والمكانة والسمعة؛ فهي ضعيفة أمام قدرة الله تعالى وقوته، عاجزة عن ردّ عذابه ونقمته ، "وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ" [العنكبوت:22].

رأوا أن الزلزال الذي وقع؛ كان نتيجة أنشطة بركانية، واهتزازات أرضية أسفل البحر، مما تسبب ذلك في حدوث أمواج عالية تسمى (تسونامي)، وهو يشبه ذلك الذي وقع في المحيط الهندي عام 2004م، ونتج عنه وفاة ما يقارب ربع مليون نسمة، وما علم هؤلاء أن الزلزال جند من جنود الله تعالى، وآية من آياته ؛ يرسله تخويفاً للكافرين، وابتلاء للمؤمنين، وعتاباً للمقصرين والمذنبين، قال الله تعالى "وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً" [الإسراء:59] .

 "إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى" [النازعات:26]، ففي المحنِ والمصائِبِ؛ يشعر المسلم بجلال الخالق وعظمتِه، وسلطانه وجبروتِه، ويدرك أنه مخلوق ناقص قاصر ضعيف عاجز، وأن الدنيا التي يحرص عليها؛ معرَّضَة للزوال، صائِرةٌ إلى الفناء، المؤمن الحق؛ من إذا سمع بالزلزال ؛ تذكر يوم الزلزلة الكبرى (يوم القيامة)، والذي فيه تذهَل المراضع، وتضَع الحوامل، وتشيبُ الولدان، موقف عظيم؛ لن يسلم منه إلا من بذل أسباب النجاة،  قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ" [الحج:1، 2].

إن ما وقع في بلاد اليابان؛ يذكرنا بما حدث في بلادنا قبل فترة ؛ زلزال قرية العيص ـ قرب المدينة المنورة ـ ، والذي أصابنا منه قلق وهلع، وشلل وخلل، ليس الأول ولن يكون الأخير، فنحن لدينا مخاطر زلزالية أخرى، كالمناطق القريبة من خليج العقبة، والمدن الواقعة بالقرب من ساحل البحر الأحمر، والمدن القريبة من الحرات البركانية ؛ ذكر ذلك الدكتور/ طلال مختار ،أستاذ علم الزلازل في جامعة الملك عبدالعزيز بصحيفة الحياة، وهذا يحتاج منا إلى عمل الدراسات والبرامج اللازمة للنشاط الزلزالي في المملكة، كما يلزمنا قبل هذا ؛ التوبة إلى الله سبحانه , والإكثار من ذكره واستغفاره ،  والضراعة إليه، وسؤاله العافية والسلامة, كان مما قاله صلى الله عليه وسلم عند الكسوف : ( فإذا رأيتم ذلك ؛ فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره ) متفق عليه.

الدراما السعودية ...مفسدة وأي مفسدة


فلعلكم رأيتم بعض اللقطات والمشاهد التمثيلية المعروضة على القنوات الفضائية في شهر رمضان المبارك، والتي قدمها بعض الممثلين السعوديين، في مسلسلات يومية عديدة، لها مساحة واسعة من البث، وفي أوقات ذهبية نفيسة،هدفها الأول نشر السموم لتغيير السلوك، وجذب المشاهدين، لكسب المعلنين .هذه المسلسلات وباء كبير، وشر مستطير، أفسدوا بها بركة رمضان، وفضائل الصبام، وقدموا صورة مشوهة وضارة عن مجتمعنا السعودي، وذلك من خلال عكس صور غير واقعية عنه ،أخرجته على إنه إنسان ساذج وبسيط ؛ في شخصيته، وفي شكله، وفي تصرفاته، وفي كلامه، وفي حياته.وقد احتوت هذه التمثيليات على أفكار رديئة، وحوارات منحطة، وكلمات بذيئة، وحركات استهتارية؛ لا يقبلها العقل ولا المنطق، أتوا بممثلين يظنون أنفسهم مضحكين ومجيدين ،وأتوا بمخرجين وكاميرات، وصوروا مشاهد ملفقة وسخيفة، قائمة على التهريج والتسفيه، والتحقير والسخرية وقلة الأدب، فكأنهم يقدمونها لأناس مصابين بلوث في عقولهم، أو تواضع في فهمهم. مسلسلات عقيمة فنياً، فهي مفلسة في أفكارها، هابطة في حوارها، ساذجة في مشاهدها، فاشلة في إخراجها، ولو قدمت لغرض إضحاكنا، والضحك علينا، فإنها مشاهد لا يركض خلفها غير الأطفال، ومن لا يفقه الفكرة، ولا يعي الهدف ، و إلا فالمشاهد العاقل يرفض إذا لم يُحترم ، وهناك فرق بين خفة الدم، وبين خفة العقل.نأسف للوقت الذي سلبته منا بعض المشاهد، غفر الله لي ولكم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ونعم النصير.
[
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا](النساء:140).

امتلك ... ولو مفحص قطاه


لدينا في بلادنا الحبيبة؛ ثلاث عشرة منطقة ، وثلاث محافظات بعد المئة ، وهي تحتوي على مدن  كبيرة، وقرى وهِجَر كثيرة، فيها نهضة عمرانية قائمة ، لكنها لا تخلو من الأزمة العقارية، إذ توجد معاناة شعبية؛ في توفير ملكية سكنية ، بالرغم من وجود أراضٍ واسعة مهجورة ، ومساحات شاسعة خالية وغير معمورة، إلا إن غالب هذه المساحات ؛ لا توجد فيها بنية أساسية، ولا خدمات حضارية، مما دعا الناس إلى الهجرة للمدن الرئيسة.

زادت الكثافة السكانية، وأغلبهم في المرحلة الشبابية، والذين يعملون في أعمال عوائدها محدودة، وبينهم من لا يمتلك غرفة ، ولا حتى صندقة، أو عُشّة، فهناك إحصائية منشورة غير مؤكدة؛ ذكرت أن 53% من أبناء المملكة؛ يعيشون في مساكن غير مملوكة ، ولعل نتائج التعداد الأخيرة؛ تنفي أو تثبت هذه المعلومة ، علماً أن هناك آلية جديدة ؛ تتضمن إيقاف منح الأراضي، وإنشاء مجمعات سكنية، وهي مازالت منذ سنوات تحت الدراسة ؛ لدى هيئة الإسكان ، ووزارة الشؤون البلدية والقروية.

إن غالب الميزانية لدى هذه الفئة ؛ تذهب في شقق مستأجرة، قيمتها غير منطقية، ومساحاتها غير واسعة، وإن بينهم من يشتكي من الضائقة، ويجد في تسديد الإيجار صعوبة ومعسرة ، وقد يسكن بعضهم بالمماطلة والحيلة والمخادعة، وما أكثر قضاياهم المنظورة في إدارات الحقوق المدنية !

إيجاد مسكن اليوم؛ ضرورة حياتية؛ لمعيشة آمنة مستقرة، وحياة مريحة ومنتجة، وهو أمل لكل أسرة، ومطمح لكل عائلة، لكن توفير الأرض من المسائل المؤرقة، ومن الأزمات الثابتة؛ لأصحاب الدخولات الضعيفة، فالأسعار الخيالية؛ سببها السوق الحرة، والمضاربات العشوائية، بل إن تشييد بناية؛ يحتاج إلى ميزانية مفتوحة، لأن التكلفة عالية، والخامات باهضة، والأسعار متصاعدة.

فمن أجل مصلحة الأمة ؛ نحن بحاجة عاجلة إلى:

وضع نظام لأسعار العقار المتضخمة.
والسماح بزيادة الأدوار في الأحياء السكنية، مع مواقف واسعة.
وتحريك الأراضي المحتكرة؛ بفرض الغرامة.
وتقديم قطعة مجانية ، لها مساحة مناسبة؛ لكل صاحب بطاقة وطنية، من مخططات فيها خدمة، حتى ولو كانت بعيدة.
وأفضل معالجة جذرية لحل هذه المشكلة الضخمة؛ بناء الحكومة لوحدات سكنية، تمنح لكل أسرة بأقساط شهرية ميسرة.

أما النصيحة المهمة ـ ومن واقع تجربة شخصية ـ  فلا تقع فريسة في فخ المساهمات العقارية ، حتى ولو كانت معتمدة من وزارة التجارة، وهيئة الأمم المتحدة، أو لها تزكية من شخصيات معتبرة، إذ لنا عبرة وموعظة في مساهمات وهمية متعثرة؛ كمساهمات الأجهوري والدريبي والعريفي والنهابي والسويداني والعصلاني والجعيدي ...... ، أكثر من 180مساهمة عقارية خادعة مخادعة، كاذبة محتالة، والتي سببت للمجتمع مصائب متفاقمة، ومشاكل متأزمة، كان من أعظمها: فقدان الثقة في الشراكة التنموية، والمشاريع الاستثمارية .
 والحالة كما هي؛ سوف تبقى أزمة السكن العقارية؛ مشكلة دائمة وقائمة، بل سوف تكون من المشاكل الموروثة والموّرثة ؛ لأجيالنا القادمة.
  
هامش:
مفحص قطاة: هي الحفرة التي تضع فيها القطاة بيضها، والقطاة طائر صحراوي بري ، وفي الحديث النبوي الشريف [من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة ؛ بنى الله له بيتاً في الجنة ] رواه ابن ماجه وصححه الألباني .

لغة القبضة

 

رأيت بالأمس سائقَين، ظهرت عليهما علامات الغضب، ودلالات العصبية؛ في موقف لا يستوجب التوتر ولا الهياج، والذي تطور إلى ملاسنة، وتشابك بالأيدي، ولولا وجود من فظ الاشتباك بينهما؛ لحدث مالا تحمد عقباه.

أخطاء السير بالمركبة تتكرر يومياً؛ فقبل أيام قتل شاب في الطائف على يد سائق؛ إثر ملاسنة وقعت بينهما؛ بسبب حادث سير طفيف ، وتكرر مشهد مماثل له في الرياض؛ عندما سدد شاب طعنة مميتة إلى صدر سائق ناقلة؛ بسبب نزاع على الطريق. وكان الأولى بأصحاب هذه المواقف؛ ضبط النفس، والتزام الهدوء، والتوقف عن الكلام ، مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وإطفاء نار الغضب بالماء، أو الجلوس ، أو الاسترخاء، أو الانصراف.

لغة القبضة هي لغة القوة وفرد العضلات، لغة العنف والحديد ، لغة التهديد والوعيد، الطريقة الهمجية التي تسلكها الحكومات الظالمة؛ مع شعوبها المضطهدة، تلك التي نراها بين جماعات وتيارات؛ تفرق الصفوف، وتجلب الشقاق، تلك التي نشاهدها من رؤساء متسلطين ؛ نحو مرؤوسين صابرين، تلك التي لها صور عديدة؛ في شللية الأطفال المتنمرين، وعصابات المراهقين الطائشين ، إنها تلك الطريقة الوحيدة للعيش والبقاء ؛ في مجتمع الحيوانات المتوحشة في الصحاري والأدغال.

من يبطش أو يهم بالاعتداء على غيره؛ فهو يكشف للآخرين عن وضعه الشخصي، وتدهوره النفسي، ونقصه العقلي، وعجزه الفكري، وهو ـ من المؤكد ـ تربى في أسرة ممتلئة بالعنف ، وملوثة بالصراع، ومن المؤكد  أن تعليمه كان في بيئة مدرسية قاسية ، منهجها الضرب واللكم والطرد، ومن المؤكد أنه سيعيش بسلوك المشاكسة والتمرد والفرعنة ، وهذا الذي سيوقعه ـ لا محالة ـ في مستنقع الجنوح ،ونفق الجريمة.

العنف اللفظي ، والعدوان البدني ؛ لا يصدر إلا من الشخص الفاشل ،الناقص ، القاصر ، المجنون، صاحب النظرة الفوقية، والغطرسة الاستبدادية ، والذي لا يدرك أن لغات السلوك العدواني معيقة لحل أي مشكلة ، ومعيقة لعلاج أي قضية، بل سوف تكون سبباً في زيادة اشتعالها، واتساع حجمها، وبزوغ غيرها.

فمن أجلنا وأجل سعادتنا؛ علينا أن نربي أنفسنا وأهلينا على احترام الآخرين وتقديرهم ، والتفاهم الجيد معهم؛ وإلا فإن العين المحمرة ؛ سوف تصبح لغة التفاهم الرئيسة بيننا.
ومن ابتلي بموقف عدائي ؛ فعليه التحكم في مشاعر الحقد والكراهية ، والسيطرة على أفكار الانتقام والثأر ، والتعامل مع الموقف بحنكة وحكمة، وسعة صدر، وراحة بال، وقبل هذا؛ وقاية النفس من الأجواء المكهربة، والشخصيات المتعبة.

إن أفضل علاج للصراعات والاختلافات؛ هو الحوار الهادئ، والنقاش البناء، الذي يؤلف القلوب، ويقرب المسافات ، ولنا أن نسترد حقوقنا المنتهكة بلغة التسامح؛ أو بالطرق القانونية، والوسائل المشروعة، فالمحاكم مفتوحة، ومجالس الصلح موجودة.

ما يجب أن نحرص عليه دائماً؛ هو الأخذ بالتوجيهات النبوية الشريفة، التي ترتقي بالفكر والتفكير، وتصلح التعامل، وتسمو بالتواصل: " ليس الشديد بالصرعة، وإنما الذي يملك نفسه عند الغضب "، " لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا بِاللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيءِ" ، " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".