الاثنين، 12 سبتمبر 2011

البنيان المخلخل

البنيان المخلخل


فما من علاقة زوجية إلا ويقع فيها فتور ونفور، وجفاء وخلاف ، وأزمات وتأزمات؛ لا منجى من مرور هذا، ولا مناص من حدوث ذلك؛ لكنها تتفاوت حسب العمر والوعي ودرجة النضج في شخصية الزوجين ، وحسب حالة التربية ومستوى الثقافة ، وهي أمور قد تنمو وتكبر مع الأيام، ثم تتضخم وتتطور بعد ذلك إلى انفجار ؛ يُنهي العلاقة الشرعية إلى الأبد.

يقع الخصام، ويحدث النزاع؛ بعد أن ينفخ فيهما الشيطان نار الغضب ، وتقع الكارثة، وتحل المصيبة؛ إذا ضاق الصدر لديهما، ونفد الصبر بينهما، ليصل الحال إلى اشتعال العداوة، وتفكك الأسرة، وضياع الأبناء ، وحدوث الاضطرابات ، ووقوع الإشكالات.

عندما تعيش الأسرة  في مناوشات مستمرة ، وصراعات متكررة؛ تصبح على قهر، وتمسي على كدر، فأي نفسية سيكون عليها أفرادها، وماذا سيجدون في يومهم، وماذا سيجنون في حياتهم؟!

وإن وراء الخلافات الزوجية، عوامل كثيرة، ومسببات عديدة، فالزوج يشتكي من الزوجة؛ التي لا تعتني برعايته، ولا تعمل على تلبية احتياجاته، ولا تستجيب لتعليماته، ولا تأخذ بتوجيهاته.
والزوج يعاني من زوجته العصبية ، النكدية، العنيدة ، المتسلطة ، التي تعارض أقواله، وتعصي أوامره ، وكذلك تلك التي لا تعتني بشؤون الأبناء، ولا تهتم بأمور الأسرة.
ويشتكي الزوج من زوجته؛ إذا كانت مهملة لنظافتها ومظهرها، أو تمتنع عن فراشه، أو تنظر إلى غيره، ولم تقنع بحالها ووضعها وما قُدِّر لها.
كما يتضرر الزوج من زوجته؛ التي تؤذي أهله، ولا تحترم أقاربه، ولا تحرص على التواصل معهم، أو تكون شديدة الغيرة ، كثيرة الشك ، أو تعاني من مس شيطاني، أو مصابة باضطراب نفسي ، أو اعتلال جسمي.

أما الزوجة التي تطلب الخلع من زوجها ؛ فتبرر ذلك بقولها: إن الزوج شحيح في النفقة ، بخيل في العطاء ، يفتقد سكنها لمقومات الحياة الضرورية، والمتطلبات الأساسية؛ ولذلك تسعى إلى التخلص من هذه المعيشة.
كذلك تريد الزوجة الهرب من بيتها؛ إذا كان زوجها يضربها، أو يسعى إلى إهانتها، أو يعمل على إذلالها ، أو عندما يقوم بسرقة مالها ، أو يستغلها مالياً ومعيشياً .
أو عندما يتدخل أهله في حياتها، وشؤونها الأسرية ، وأمورها الخاصة .
أو عندما يكثر الزوج الخروج من المنزل ، أو عندما يتزوج عليها، ولا يقوم بالعدل بين الزوجات .
أو حينما يكون الزوج ناقص الدين ، تارك للصلاة، يتعاطى المسكرات والمخدرات، أو يرتكب المحرمات، والعلاقات الشاذة.
أو عندما يكثر السفر والاغتراب، أو يكون مسجوناً، أو يكون مصاباً بمرض من الأمراض المزمنة.

ولعل الفاحص لأسس الخلافات بين الزوجين؛ يجد أنها تفتقد السكينة والألفة ، وتفتقر المودة والمحبة، لكنها متشبعة بالأنانية وحب السيطرة، وممتلئة بالخشونة والاندفاعية، ومحاطة بالصورة المثالية؛ التي يستحيل وجودها في الإنسان، ومادام الزوجان يهملان  الواجبات المفروضة، أو يجهلان الحقوق المطلوبة؛ فإن الخلافات ستظل تخيّم على عش الزوجية!

ألا يعلم الزوج أن من أكثر وصايا رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ الإحسان إلى الزوجة:
 "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه"، "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي  "اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن  بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، " إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".

ألا تعلم الزوجة أن طاعة الزوج مقدم على كل طاعة، فهو السبيل إلى إسعادها، وإسعاد بيتها:
من الأحاديث النبوية الصحيحة: "... فإنما هو جنــتـك ونارك " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، "إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" ، "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة"، " إذا دعــا الرجــل امرأته إلى فـراشه فلم تأته، فبــات غضبان عليها، لعنتهــا الملائكة حتى تصبــح"، "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة".
فمن أجل حياة زوجية آمنة ومستقرة ؛ احرص أولاً على أن تعطي قبل أن تأخذ ، وأكثر في تعاملك من المدح، واقتصد في النقد، وتجنب ما يثير الاستفزاز، ويشعل الخصام.

 ثم اعمل عند الصدام ؛ على ضبط الانفعال، وقدّم التنازلات ، اترك المثالية، وترفع عن الصغائر، اعتذر عن أخطائك، ولا تذكر الأخطاء الماضية، عليك بالمفاهمة الهادئة، والمحاورة الحكيمة.
احصر النزاع في دائرة ضيقة، إلا إذا تأزمت الأمور؛ فيمكنك الاستعانة بطرف ثالث عادل، يقوم بالإصلاح والتوفيق بينكما: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا).

أهم النقاط في تربية الأبناء

أهم النقاط في تربية الأبناء


ذكرهم دائماً بالحياة الأخروية ، وما فيها من نعيم للمؤمنين، وجحيم للكافرين.
احرص على ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن الكريم في المنزل، وبصوت مسموع.
دربهم على الصلاة معك في المسجد، وتابعهم في ذلك.
علمهم الدعاء ومناجاة الخالق ؛ في كل أمر، وفي كل شأن.
عزز كل سلوك حسن تشاهده فيهم؛ بالمدح والثناء والمكافأة.
اظهر لهم؛ المحبة والتقبل ، والتقدير والاحترام.
اسمح لهم بالتعبير عن انفعالاتهم وآرائهم ، وأنصت لحديثهم جيداً.
شجعهم على المشاركة في المناسبات الاجتماعية.
ابتعد عن أساليب التسلط والقسوة، والضرب والتحقير والإهانة.
احذر من الانتقاد العنيف والمؤلم؛ للأخطاء التي يقعون فيها.
لا تحاول الدخول في المنازعات الخفيفة بينهم، بل اجعلهم يحلونها بأنفسهم.
واجه أخطاءهم بحكمة، وعالج مشاكلهم الكبيرة في مجلس الأسرة.
أظهر كراهيتك لكل تصرف خاطئ، أو سلوك غير مقبول.
احرص على بث العطف والمحبة، والإيثار والتعاون فيما بينهم.
ادعم اهتمامهم بالعلم والقراءة، وابذل لذلك كل ما تستطيع.
خصص لكل فرد منهم وقتاً كافياً؛ تتحدث معه بشأن دراسته، وآماله وآلامه.
ساعدهم على تنظيم أوقاتهم، واستغلال فراغهم بممارسات نافعة.
دربهم على الكلام الجيد، والحديث الهادئ، والإصغاء السليم.
احميهم من المؤثرات الإعلامية السلبية، ووجههم إلى ما يفيدهم فيها.
جنبهم الوقوع في التخريب، والعدوان، والتطاول على الآخرين.
شجعهم على تكوين العلاقات، والتواصل مع أحسن الرفاق.
ساعدهم على ممارسة الألعاب المفيدة في البناء الجسمي والعقلي.
وفر لهم أجهزة حاسوب، ومكتبة مناسبة ؛ تفيدهم في النمو العقلي والمعرفي.
عودهم على تحمل المسؤولية، والاستقلالية، وترتيب الأدوات، وتنظيف الحاجات.
اعدل في المعاملة، ولا تقارن بينهم، ولا تكثر الحماية والتدليل ، والعطف الشديد عليهم.
احرص مع أمهم على منهج تربوي موحد، وتجنب الغضب والشجار أمامهم.
أشركهم في صلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، واحترام الآخرين.
ألحقهم بحلقات التحفيظ؛ مع التشجيع المتواصل، والمتابعة المستمرة.
ازرع القناعة والرضا في نفوسهم، ولا تلبي رغباتهم كلما طلبوا منك شيئاً.
ساعدهم على تنمية طموحاتهم، ووجهها التوجيه الواقعي السليم.
دربهم على العناية الشديدة بنظافة الجسم والملبس، والمأكل والمشرب، والجلسة والمكان.
عودهم على عدم السهر، وترك النوم أثناء النهار.
الدعاء لهم في أوقات ومواطن الإجابة؛ بأن يصلحهم، وأن يوفقهم إلى ما يحبه ربنا ويرضاه.
لا تيأس ولا تقنط إذا لم تلمس أثراً لتربيتك( إن عليك إلا البلاغ )، أما الهداية والتوفيق فهي بيد الله سبحانه وتعالى.
( ... رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنّك سميع الدعاء ) [آل عمران:38] .
........................................................

أصلح ... أصلحك الله

أصلح ... أصلحك الله


ففي كل يوم؛ نسمع عن خصومات تقع بين الناس ، ونشاهد صراعات ومنازعات تحدث هنا وهناك، أغلبها لأسباب دنيوية، ومعظمها في مواضيع يسيرة، وقضايا بسيطة؛ لا تستدعي التوتر، ولا التضخيم ، ولا التأزيم.

إن الاختلاف صفة طبيعية من الصفات البشرية المكتسبة، قال الله تعالى " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك"، فالإنسان يرافقه عدوه اللعين (الشيطان) ، المكلف بالتحريش والغواية، والذي لن يسلم منه أحد من البشر، حتى أكثرهم علماً ، وأحسنهم تقوى .

تحدث المخاصمات بين الدول مع بعضها البعض ، وتقع بين الحكام والشعوب، والرؤساء والمرؤوسين، والأزواج والزوجات، ، وكذلك بين الأقارب والجيران والأصدقاء، فينتج عنها حدوث القطيعة، وزرع الضغينة، وتوليد الكراهية ، وتفريق القلوب، وفتح صراعات،وجلب آثام، وانتهاك حرمات، وارتكاب محرمات.

فكم حروب قامت ، وبيوت هدمت، وأموال صرفت، وأوقات ضيعت، وأنفس تفرقت، وحياة فسدت؛ والسبب خلافات بسيطة وقعت ، وهفوات يسيرة حدثت، والتي كان من الممكن تلافيها، إذا توفر المصلح الصادق الأمين، الذي يفض النزاع؛ بتبيين الخطأ ، وإظهار الصواب.

كنا بالأمس نعالج مشاكلنا بيننا ، داخل نطاق ضيق، وفي سرية تامة، إذ كان بيننا المصلح المتطوع، الذين عمل على توثيق روابط المودة ، وإعادة جسور المحبة. كان أهل النزاع يأخذون بنصيحته، ويعدونها حكماً ملزماً بالنفاذ، وهو الذي مازال موجوداً ومطلوباً ؛ في مجتمعات قروية، وجماعات بدوية، ولكن محدودة.

لقد عصم الله بالمصلحين دماء وأموال ، وويلات وتطورات؛ كادت أن تتأزم، لولا فضل الله تعالى ثم  بفضل جهود المصلحين ومساعيهم، فلماذا لا نحرص على درء الخصومات، وقطع المنازعات ـ كما كان قديماً ـ دون الرجوع إلى المحاكم الشرعية، والجهات الأمنية؟!، والتي تعاني من كثرة المراجعين، وتأخر المعاملات، وطول الإجراءات.

الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة، حثنا عليها الخالق سبحانه وتعالى، الذي قال:" وأصلحوا ذات بينكم "(الأنفال :1)، أعظم ما يجنيه المصلح من وراء عمله الكبير: "إنا لا نضيع أجر المصلحين " [الأعراف: 170] ، وقال عليه الصلاة والسلام:"أفضل الصدقة إصلاح ذات البين"، وذكر الأوزاعي (رحمه الله تعالى) : ( ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ) .

إن المجتمع يبحث عن المصلح العادل؛ صاحب النفس الأبية، والأخلاق الحسنة، والسيرة النظيفة ، المصلح الذي يملك الكفاءة والنزاهة ، ويجيد مهارة الاستماع ، وأساليب الإرشاد والإقناع، والذي يبذل ماله وجهده ووقته طلباً للأجر والثواب من الخالق سبحانه، وتحقيقاً لقيمة الأخوة، وواجب النصيحة، وأهمية الوحدة واللحمة.

ألا يمكن أن يكون لدينا في كل مسجد من مساجدنا؛ لجنة تطوعية  من المتقاعدين مثلاً ؟! تقوم على النظر في مشاكل الجيران، وتعمل على علاجها، وعقد راية الصلح بين طرفيها ، هذه اللجنة إن تكونت ؛ سوف تنجح إذا سلكت المنهج الرباني، واتخذت النبراس التالي: " إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ  بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ".

صاحب الدماغ الناشف

صاحب الدماغ الناشف

هو شخص موجود بيننا، يرافقنا في حياتنا، ونتعامل معه في يومنا، يعشق التعصب المريض، وينتهج التصلب البغيض، حيث يسيطر بكلامه على كلام جلسائه، ويملي على غيره مراده وتوهماته ؛ لا يسمع صوتاً، ولا يقبل نقداً، ولا يأخذ من أحد قولاً، إذ يعتقد في صدق آرائه ، وصواب أفكاره ؛ وإن كانت على خطأ، أو فيها الخطأ.

إنه شخص تجده يميل إلى فرض ذاته، والاعتداد برأيه، والتعدي بالسيطرة على عقل غيره؛ دون سند علمي، أو فهم منطقي ، ولكن بقصد إظهار القوة، واجتذاب الضوء، ولفت النظر، وكسب الشهرة، وإن استخدم في ذلك سلوك العناد، وأساليب العنف، ووسائل العدوان.
إذا شاهدته فعلى ملامحه عبوس، وفي حاجبيه تقطيب، وفي عينيه حنق وضيق ، وأما مشاعره ففيها قلق واضطراب، وشك ووسواس ، وعلى هيئته استعلاء وكبرياء ، وعجرفة وغرور.

هو يعتقد أنه عالي الذكاء، مرتفع الفهم، عظيم القدرات، متفوق على كل البشر،  بينما هو شخص قليل الفطنة، ضعيف الحصافة ، بليد الكياسة،  تجده في صراع دائم مع من حوله، حتى مع أقرب المقربين له، ولذلك فهو منبوذ مرفوض وغير مرغوب، فالخصائص العقلية لديه غير ناضجة، والنواحي الانفعالية غير صحيحة، والجوانب الاجتماعية غير سليمة.

ربما حدثت له صدمات نفسية مؤلمة، أو يعاني من صراعات شخصية، أو تورمات وظيفية، أو تضخمات اجتماعية ، لكنه ـ ولا شك ـ  ضحية لأخطاء تربوية في الأسرة والمدرسة، وضحية لحشوات عقلية ملوثة؛ تغذيها مصادر معرفية مشوشة؛ وهي التي تدفعه بقوة إلى الانغلاق على نفسه، والعناد مع غيره، والتصلب في تفكيره، والتحيز لمحتوى أفكاره.

وحتى لا يتحول صاحب الدماغ الناشف إلى أداة فساد وهدم، وبوق إرباك وتشويش؛ ينبغي تنبيهه إلى أهمية المرونة مع الآخرين، باعتبارها قوة نفسية، وصحة عقلية في الشخصية، وهي لا تعد عند العقلاء هزيمة وضعف، ولا قصور ونقص.
 ومن ابتلي بمجالسة مثل هذا الشخص، فعليه التعامل معه بهدوء وموضوعية، و إخراجه من فكره الجامد بعلم وروية، وحكمة وعقلانية، على أن يُعطى المساحة الكافية لبيان وجهة نظره، وتقويم أفكاره، ومراجعة حساباته، مع امتداح إيجابياته، وتجاهل عناده البسيط.
 كما يجب عليه أن يتعلم مهارات التعامل الراقي، والانفعال الهادئ، والحوار الناجح، والنقد الهادف، والتفكير السليم، والسلوك المنضبط، ، وكل ما يجعله يستجيب للحق المبين، والرأي الصحيح ، والنهج السليم، والمنهج المستقيم.